إقامة المحكمة الدعوى في جرائم الجلسات والحكم فيها ومدى اتفاقه مع أصول الشرعية الجنائية - دراسة مقارنة
* الكاتب: د. أشرف توفيق شمس الدين - أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق بجامعة بنها
** تنشر "منشورات قانونية" هذه الورقة بإذن خاص من الكاتب
مقدمة
-تمهيد:
يسعى كل نظام إجرائى إلى تحقيق التوازن بين السلطات فى الدعوى الجنائية، بحيث لا تنفرد إحداها باختصاصات على حساب الأخرى. وعلة ذلك أن تركيز السلطات فى يد واحدة من شأنه أن يفضي إلى الاستبداد والتعسف، وأن ينال من حقوق الأفراد وحرياتهم، كما أنه لن يفضي إلى تحقيق العدالة وكفالة حق الدولة فى العقاب على نحو صحيح؛ لأن الوصول إلى الحقيقة يقتضي توافر الحيدة والموضوعية، وهو ما لا يتسنى إذا اجتمعت سلطات الدعوى كلها فى يد واحدة. وإذا كان قد ساد فى مرحلة تاريخية معينة نظاماً إجرائياً يجمع هذه السلطات فى يد القضاء، فإن تطبيق هذا النظام أفضى إلى التحكم والاستبداد، ولم يكفل تحقيق العدالة. وقد أسفر ذلك عن بلورة مبدأ الفصل بين السلطات فى الدعوى الجنائية ([1])، وإلى الأخذ ببعض ملامح أنظمة إجرائية تقليدية كانت تكفل تحقيق هذا الفصل.
-أهمية الموضوع ودقته:
يثير حق المحكمة في إقامة الدعوى في جرائم الجلسات والحكم فيها العديد من التساؤلات: فهل يعد تخويل المحكمة هذا الحق مساساً بمبدأ الفصل بين سلطات الاتهام والتحقيق الابتدائى والحكم فى الدعوى الجنائية؟ ، وهل يمثل ذلك أخذاً ببعض ملامح النظام التنقيبي الذى كان يجمع سلطات الدعوى الجنائية فى يد القضاء؟، ويثير البحث التساؤل عن وجود علة لتقرير هذا الحق في القانون المصرى وغيره من التشريعات التى نصت عليه؟، وهل تسلم أغلب التشريعات المقارنة بهذا الحق، فهل تجمع على الأخذ به والنص عليه؛ أم أنها لا تقر بوجود مثل هذا الحق للقضاء الجنائى؟، وإذا كان الأمر كذلك، فما هى مبررات عدم تخويل قضاء الحكم لحق إقامة الدعوى الجنائية هذه الجرائم ؟، ما الذى يحول دون تقريره والأخذ به؟، ألا يعد الأخذ به محققاً لمصلحة العدالة التى تتأذى من وقوع الجريمة في الجلسة؟، ألا تنال هذه الجرائم من هيبة القضاء وقد تؤدى إلى الإخلال بسير العدالة؟، ثم ألا يضمن ارتكاب الجريمة في جلسة المحاكمة وعلى مرأى من القضاة وضوحاً كافياً لوقائع الدعوى وأدلتها على نحو يجيز للمحكمة أن تنظر في الدعوى الناشئة عنها والحكم فيها بدلاً من إحالتها إلى جهات التحقيق؟، وهو ما يكفل تحقيق العدالة الناجزة والفاعلية في تحقيقها؟
غير أنه من وجهة أخرى، ألا يؤدى تقرير هذا الحق إلى اتساع سلطة القضاء وصيرورتها سيفاً يمكنه أن يهدد حقوق الأفراد وحرياتهم؟، ألا يعد ذلك تدخلاً في وظيفة الاتهام؟، وهل يعتبر الجمع بين وظيفة الاتهام والتحقيق والحكم مساساً بحسن سير العدالة الجنائية؟، وهل يؤدى مثل هذا الجمع بين السلطات إلى التحيز والتحكم والإخلال بالموضوعية التي يجب أن تتوافر للقضاء؟ ألا يكون القاضى خصماً وحكماً في نفس الوقت؟، وإذا كانت الجريمة قد نالت القاضى شخصياً، ألا يعد إقامته للدعوى الجنائية وفصله فيها صورة من القصاص الشخصى، وكيف يكون المجنى عليه هو الذى بيده سلطة الحكم في الدعوى الواقعة عليه؟، ألا يتأثر القاضى بما وقع في الجلسة على نحو يخرجه عن حياده الذى يجب أن يتحلى به؟
وإذا كانت هناك بعض الصور الأخرى التى يكون للقضاء فيها الحق فى إضافة بعض الوقائع وإقامة الدعوى الجنائية لوقائع وأشخاص لم ترفع بشأنهم الدعوى الأصلية، كما هو الشأن في الحق في التصدى، فإن الحاجة تبدو ملحة في التمييز بينها وبين حق المحاكم فى إقامة الدعوى والحكم فيها في جرائم الجلسات؛ فهل يتماثلان أم أن هناك اختلافاً بيناً بينهما، وإذا كان هذا الحق الأخير ينطوى بجلاء على الإخلال بقاعدة الفصل بين السلطات في الدعوى الجنائية، فإن التساؤل يثور عن خطة التشريعات المقارنة في تقريره، فهل هو موضع قبول فى خطة هذه التشريعات، أم أن تطبيقه قد انحسر إلى نطاق ضيق ومحدود؟، وإذا كان من المقرر أن لكل حق نطاق يتقيد بها، ويشكل الحدود التى يتعين أن يقف عندها، فإن الدراسة تثير التساؤل حول نطاق حق المحكمة في إقامة الدعوى في جرائم الجلسات، ومن له الحق فيه وشروطه وحالاته والآثار التى تترتب على استعماله؟ وتثير الدراسة التساؤل عن المقصود "بإقامة" الدعوى الجنائية، وهل هناك اختلاف بينها وبين "تحريك" هذه الدعوى، وأيهما الأصح؟،
كما تثير الدراسة بوجه خاص التساؤل عن حق المحكمة الجنائية في إقامة الدعوى الجنائية في جريمة الشهادة الزور ضد الشاهد الذى شهد في دعوى منظورة أمامها، فهل يمثل ذلك إخلالاً بأصول المحكمات الجنائية؟، ألا يجعل ذلك المحكمة خصماً وحكماً في نفس الوقت؟، ألا يعتبر تخويل المحكمة هذا الحق تهديداً للشاهد، وقد يمثل إكراهاً له؟، وهل كل تغيير للشاهد في أقواله يعتبر شهادة زور؟، وهل يجب أن تنفرد المحكمة بتقدير ما إذا كان هذا التغيير في الشهادة يشكل هذه الجريمة؟ ، أليس من الأوفق أن تتولى هيئة أخرى تحقيق جريمة الشهادة الزور والحكم فيها؟، وما خطة التشريعات المقارنة في النص على تخويل المحكمة إقامة الدعوى والحكم على الشاهد فيها؟
وتثير الدراسة تساؤلاً مهماً عن مدى اتفاق خطة الشارع المصرى في قانون الإجراءات الجنائية الحالى وكذلك مشروع سنة 2024 مع نصوص الدستور التى توجب أن يتصف القضاء بالحيدة، وأن تكون محاكمة المتهم عادلة، وهو ما يجب معه الفصل بين سلطتى الاتهام والتحقيق الابتدائى والحكم، فهل الجمع بين هذه السلطات جميعاً ما يخل بالحيدة وينال من فكرة المحاكمة العادلة التى نص عليها الدستور؟
-نطاق الدراسة: التمييز بين إقامة الدعوى في جرائم الجلسات وبين التصدى:
أجازت بعض التشريعات ومن بينها القانون المصرى للقضاء الجنائى أن يقيم الدعوى الجنائية فى إحدى حالتين: الأولى التصدى، والثانية هى جرائم الجلسات.
ويجب التمييز بين حق المحكمة فى التصدى الذى نصت عليه الشارع فى المواد من 11 إلى 13 من قانون الإجراءات الجنائية المصرى، وبين حقها فى نظر جرائم الجلسات المنصوص عليه فى المادة 244 إجراءات، والذى يميز بينهما أن سلطة المحكمة فى التصدى تقتصر على تحريك الدعوى دون أن تمتد إلى تحقيقها أو الحكم فيها؛ أما سلطتها فى جرائم الجلسات فقد تشمل تحريك الدعوى وتحقيقها والحكم فيها.
والتصدى –في حقيقة الأمر- لا يشكل استثناء على مبدأ الفصل بين سلطتى الاتهام والحكم، إذ تقتصر المحكمة على مجرد إقامة الدعوى دون الحكم فيها؛ أما سلطة القضاء فى جرائم الجلسات فهى تتضمن استثناء حقيقياً على هذا المبدأ، إذ تمتد سلطة القضاء إلى إقامة الدعوى والحكم فيها معاً. وإذا كان الشارع قد قصر مباشرة الحق فى التصدى على محاكم الجنايات ومحكمة النقض، فإن تحريك الدعوى الجنائية فى جرائم الجلسات هو أمر مقرر لجميع المحاكم([2]). ونظراً لاختلاف طبيعة الحقين ونطاقهما، فإن الشارع قد نص على الحق فى التصدى فى الباب المخصص للدعوى الجنائية وإقامتها؛ بينما نص على جرائم الجلسات فى الباب المخصص للمحاكم وفى الفصل الذى خصصه الشارع لحفظ النظام بالجلسة ([3]).
وينحصر نطاق هذه الدراسة في حق المحكمة الجنائية في إقامة الدعوى الجنائية والحكم فيها في جرائم الجلسات، ولذلك يخرج عن نطاقها الحق في التصدى الذى يقتصر على إقامة الدعوى دون الحكم فيها، والذى يتصل بموضوع الدعوى المنظورة أمام المحكمة أو أشخاصها، ويقتصر إعماله على محكمة الجنايات ومحكمة النقض.
-تقسيم:
نقسم هذه الدراسة إلى مبحثين: نتناول في الأول إقامة الدعوى في جرائم الجلسات والحكم فيها في السياسة الجنائية المقارنة. ونبين في هذا المبحث أصول هذا الحق وتطوره والاعتراضات التى ثارت بشأنه، كما نبين أثر ذلك التطور على خطة التشريعات المقارنة في الأخذ به، وما آل إليه الأمر في هذه التشريعات.
وأما المبحث الثانى فخصصناه لبحث قواعد إقامة الدعوى والحكم فيها في جرائم الجلسات، فبينا القواعد العامة التى تطبق على هذه الجرائم، مثل تحديد مدلول الجلسة وانعقادها والجرائم التى يجوز إقامة الدعوى فيها، ومدلول إقامة الدعوى وغيرها.
وأفردنا بياناً للقواعد الخاصة التى تطبق في شأن جرائم معينة أو محاكم معينة، ومثالها إقامة الدعوى والحكم فيها في جرائم الشهادة الزور، وكذلك الأفعال الصادرة من محام بالجلسة والجرائم التى ترتكب في جلسات المحاكم المدني .
وخصصنا خاتمة الدراسة لبيان مدى اتفاق تخويل محكمة الموضوع سلطة إقامة الدعوى في جرائم الجلسات والحكم فيها مع أصول الشرعية الجنائية ونصوص الدستور.
المبحث الأول
إقامة الدعوى والحكم في جرائم الجلسات
في السياسة الجنائية المقارنة
-تمهيد:
إقامة الدعوى من القضاء في جرائم الجلسات، يعنى أن للمحكمة الحق في إقامة الدعوى الجنائية عن الجرائم التى تقع أثناء انعقاد الجلسة، ولم يتم إقامتها من النيابة العامة أو من المدعى بالحق المدنى، ولم يجر فيها تحقيقاً ابتدائياً، ثم تقوم المحكمة بالفصل فيها بالإدانة أو بالبراءة. وحق المحكمة في هذا هو استثناء على الأصل العام الذي يحصر وظيفة القضاء فى الحكم فى دعوى حركتها أمامه سلطة أخرى مختصة بالاتهام، كما أنه استثناء من قاعدة استئثار النيابة العامة -بحسب الأصل- بسلطة تحريك الدعوى الجنائية. ويترتب على تقرير هذا الحق أن يباشر القضاء على سبيل الاستثناء وظيفة تخالف اختصاصه الأصلى هى الاتهام، وأن يجمع بين سلطتى الحكم والسلطات المقررة لمرحلة ما قبل المحاكمة. ومن جهة أخرى فقد يشهد القاضى ارتكاب الجريمة في حضوره، فيكون في هذه الحالة شاهداً في الدعوى، ولكنه على الرغم من ذلك يملك هذه السلطات جميعاً.
ويرجع حق القضاء الجنائى في الاتهام والتحقيق والحكم إلى ما كان يعرف بنظام الدعوى التنقيبية، والذى أثر تأثيراً عميقاً في فكرة الفصل بين السلطات في الدعوى الجنائية، وهو ما ترك أثراً كبيراً على التشريعات المقارنة. غير أن رياح التطور ما لبثت أن هبت على هذه الأفكار، ولم يعد من المقبول الأخذ بالنظام التنقيبى على إطلاقه، وهو ما أدى بالتبعية إلى التأثير على توزيع السلطات في الدعوى الجنائية في التشريع المقارن.
1-الجذور التاريخية لتخويل القضاء الحق في إقامة الدعوى في جرائم الجلسات والحكم فيها
-الجمع بين السلطات بين النظامين التنقيبي والاتهامى للدعوى الجنائية:
تنازع الدعوى الجنائية مبدآن: الأول يعرف بالنظام التنقيبي، والثانى يعرف بالنظام الاتهامى. والنظام التنقيبي يسند إلى القاضى مهمة تحقيق الدعوى واتخاذ كافة الإجراءات التى يستلزمها هذا التحقيق، وإصدار حكم فيها، ولا يوجد فى هذا النظام وجود لادعاء أو مدع؛ وإنما يتولى القاضى التحقيق والادعاء والحكم معاً([4]). والجمع بين سلطتى الاتهام والحكم فى يد القضاء كان يجد سنده فى قاعدة أن "كل قاض هو مدع عام"([5])، فكان من المقرر فى ظل هذا النظام أن للقاضى المبادرة من تلقاء نفسه فى تحريك الدعوى الجنائية([6])، وأن يتصدى لأية جريمة يعلم بها شخصياً، ويستوي فى ذلك مصدر هذا العلم ([7]). وقد أدى الأخذ بهذا النظام إلى الاستبداد والتحكم وتحيز القضاة، وإلى بث عدم الثقة فى نظام العدالة الجنائية([8]). وعلى العكس من ذلك؛ فإن نظام الدعوى الاتهامية يقوم على الفصل بين سلطتى الاتهام والحكم، فلا يمكن أن يكون القاضى والمدعى شخصاً واحداً([9])، ولا يجوز للقاضى أن يقوم بتحريك الدعوى الجنائية والحكم فيها من تلقاء نفسه، أو بناء على علمه الشخصى([10]). وكان الاتهام فى نشأة النظام الاتهامى متروكاً للمضرور، الذي يتولى تحريك ومباشرة الدعوى الجنائية ضد المتهم ([11])، ثم فى مرحلة لاحقة أصبحت الدولة بحسب الأصل هى التى تتولى وظيفة الادعاء العام، فمن المقرر فى ظل هذا النظام أن القاضى والمدعى لا ينتميان لسلطة واحدة ([12]). وعلى ذلك، فإن حق المحكمة فى جرائم الجلسات نشأ فى واقع الأمر فى ظل النظام التنقيبى، الذي كان يجمع بين سلطات التحقيق والاتهام والحكم كلها فى يد القاضى، ويجيز له اتخاذ مبادرة تحريك الدعوى الجنائية وتحقيقها والحكم فيها من تلقاء نفسه. ولم يعد النظام التنقيبى على إطلاقه مطبقاً فى التشريعات المعاصرة، وإنما ساد المبدأ الاتهامى – على الأقل فى مرحلة الحكم- والذي يستند على الفصل بين سلطتى الاتهام والحكم([13])، فحيث لا يوجد اتهام لا توجد محاكمة، فالاتهام شرط من شروط الدعوى الجنائية([14])، وهو ضرورة لنظر الدعوى الجنائية أمام القضاء للفصل فيها.
والخلاصة، فإن قاضى الموضوع في النظام التنقيبى كان يجمع بين سلطات الاتهام والتحقيق والحكم في سواء في الدعوى المنظورة أمامه، أو ما قد يظهر أمامه من وقائع قد تشكل جرائم، أو ما عسى ما قد يتصل بعلمه الشخصى. ويترتب على ذلك أن القضاء كان يختص بإقامة الدعوى الجنائية في جرائم الجلسات والحكم فيها، وذلك أخذاً بحسب الأصل بالنظام التنقيبى. غير أن النظام الاتهامى والذى لا يجيز اجتماع سلطتى الاتهام والحكم في يد واحدة، قد خرج جزئياً في أصوله التاريخية على هذه القاعدة في جرائم الجلسات، وذلك إذا شكل الفعل المرتكب جريمة "ازدراء المحكمة"، على ما سوف نتناوله لاحقاً.
- إقامة الدعوى في جرائم الجلسات ومبدأ الفصل بين السلطات فى الدعوى الجنائية:
لم يكن الفصل بين وظيفة الاتهام والتحقيق والحكم مقرراً فى التشريعات الغربية فى القرون الوسطى، فأمام المحاكم الكنسية والملكية كان المبدأ السائد هو أن "كل قاض هو مدع عام"([15]). ويرجع الجمع بين السلطات فى الدعوى الجنائية إلى رغبة الكنيسة فى تركيز سلطة الاتهام والحكم فى يديها([16]). وقد عرف القانون الفرنسى لأول مرة تقسيم الدعوى الجنائية إلى ثلاث مراحل: الاستدلال، والتحقيق، والمحاكمة، وذلك عندما صدر عندما صدر الأمر العالى للإجراءات الجنائية سنة 1670([17]).
وفى مرحلة الثورة الفرنسية أجرى الشارع الفرنسى تغييرات جوهرية فى الإجراءات الجنائية، وقد استوحى هذه التغييرات من نظام القانون الأنجلو سكسونى: فقد اختص المجني عليه بتحريك الدعوى الجنائية، وكذلك أصبح من حق كل مواطن أن يقوم بذلك، وهو ما أطلق عليه الدعوى الشعبية ([18]). وقد أرسى الشارع الفرنسى فى تقنين التحقيق الجنائى لسنة 1808 مبدأ الفصل بين وظيفة الاتهام والتحقيق والحكم، وعهد بكل منها إلى سلطة منفصلة ([19]). وعلى الرغم من أن الشارع الفرنسى تبنى فى هذا التقنين مبدأ الفصل بين سلطتى الاتهام والحكم، إلا أن الفصل التام بين السلطتين –مع ذلك- لم يكن مقرراً، وكان للنظام التنقيبى أثره فى ذلك، إذ استوحى منه الشارع الفرنسى عدداً من الأحكام، وكان من بينها تخويل المحاكم لحق تحريك الدعوى الجنائية من تلقاء نفسها فى حالات معينة ([20]). وإذا تبين للمحكمة وقائع جديدة منسوبة للمتهم الذى تجرى محاكمته، فإن الشارع الفرنسى كان ينص فى قانون التحقيق الجنائى الملغى على أنه "إذا اتضح لمحكمة الجنايات من المرافعة أن المتهم قد ارتكب جناية أخرى معقاباً عليها بعقوبة أشد أو أن له شركاء في الجريمة، فللمحكمة أن تأمر بتحريك الدعوى الجنائية عن هذه الوقائع" (المادة 279) ([21]). غير أن الشارع الفرنسى قد ألغى هذا النص في القانون الحالى، ولم يأخذ بحق محكمة الجنايات في تحريك الدعوى الجنائية عن هذه الوقائع. وقد حرص الشارع الفرنسى فى قانون الإجراءات الجنائية الحالى الصادر سنة 1959 على كفالة الاستقلال بين سلطتى الاتهام والحكم فى الدعوى الجنائية([22]).
- مضمون مبدأ الفصل بين السلطات فى الدعوى الجنائية وصلته بالحق فى إقامة الدعوى جرائم الجلسات:
يعتبر مبدأ الفصل بين سلطتى الاتهام والحكم من المبادئ الأساسية المقررة في الإجراءات الجنائية المقارنة، ويرجع ذلك إلى ما كشف عنه الجمع بينهما من تحيز القاضى وتأثره بالعقيدة التى كونها فى مرحلة الاتهام والتحقيق الابتدائى، وهو ما يؤثر فى صعوبة قبوله للأدلة الجديدة التى قد تطرأ فى الجلسة وتكون فى صالح المتهم. ويترتب على ذلك اعتماد القاضى على ما توافر لديه من علم شخصى مسبق، وليس على ما دار أمامه بالجلسة. غير أنه إذا كانت التشريعات المقارنة تجمع على الأخذ بمبدأ الفصل بين سلطتى الاتهام والحكم؛ فإن هذا الإجماع لا يتوافر فى الفصل بين سلطتى التحقيق والاتهام. فمبدأ الفصل بين سلطتى الاتهام والتحقيق الابتدائى ليس محل إجماع فى خطة التشريعات المقارنة؛ بل تنقسم خطة التشريعات المقارنة بشأنه إلى وجهتين: الأولى ترى الفصل بين السلطتين؛ بينما ترى الثانية عدم وجود مبرر لهذا الفصل([23]).
-تطور مبدأ الفصل بين السلطات في الدعوى الجنائية:
يقابل تقسيم الدعوى الجنائية إلى مراحلها الثلاث من اتهام وتحقيق ومحاكمة في النظم اللاتينية أن يعهد بكل مرحلة من هذه المراحل إلى سلطة مختلفة بحسب الأصل عن غيرها: فالاتهام تتولاه النيابة العامة، والتحقيق يتولاه قاض للتحقيق، أما الحكم فهو مجال محتجز لقضاء الحكم بمعناه الدقيق. ويجب أن يسود الصلة بين هذه السلطات بحسب الأصل مبدأ الاستقلال([24])، فمبدأ الفصل بين المهام القضائية فى الدعوى الجنائية ([25]) هو من المبادئ الهامة التى ينهض عليها التنظيم الإجرائى فى هذا النظام وله صدى فى التشريعات التى تأثرت به. وإذا كان الفصل بين سلطتى الاتهام والتحقيق الابتدائى ليس موضع تسليم فى خطة التشريعات المقارنة ([26])؛ فإن غالبية التشريعات تجمع على الأخذ بمبدأ الفصل بين سلطتى الاتهام والحكم، فلا يجوز للمحاكم أن تقوم بإقامة الدعوى الجنائية عن الجرائم التى تصل إلى علمها من تلقاء نفسها، كما أن هذا المبدأ يعنى أيضاً فى شق منه استقلال النيابة العامة عن قضاء الحكم ([27]). ولا يجوز للنيابة العامة أن تتدخل فى سلطة القضاء، وفى المقابل فهى ليست تابعة له، ومن ثم لا يجوز أن يتدخل فى عملها ([28]). وليس للمحاكم أن تباشر الدعوى الجنائية من تلقاء نفسها، بل يلزم أن تحركها أمامها سلطة الاتهام ([29]). كما أنه لا يجوز لها أن توجه أمراً إلى النيابة العامة بإقامة الدعوى الجنائية لوقائع أو أشخاص لم ترفع بشأنهم الدعوى أمامها([30]).
ويرى أنصار مبدأ الفصل بين السلطات فى الدعوى الجنائية أن الأخذ بهذا المبدأ من شأنه أن يكفل حماية أفضل للحريات الفردية لما يكفله من عدم تركز السلطات فى الدعوى الجنائية فى يد واحدة، الأمر الذي يحول دون إساءة استعمالها ([31]). ذلك أن هذا المبدأ –فى حقيقة الأمر- لا يعدو أن يكون نقلاً لمبدأ الفصل بين سلطات الدولة الذي يسود القانون العام إلى القانون الجنائى وتطبيقه على الدعوى الجنائية. وأن الرقابة التى تمارسها كل سلطة على الأخرى من شأنها أن تحقق عدالة أفضل، وتضمن عدم التحيز ضد المتهم أو التأثر برأى مسبق أبدى فى مرحلة سابقة من مراحل الدعوى([32]).
وعلة تقرير هذا الفصل بين سلطتى الاتهام والحكم ما كشف عنه الجمع بينهما من تحيز القاضى وتأثره بالعقيدة التى كونها فى مرحلة الاتهام والتحقيق الابتدائى، وهو ما يؤثر فى قبوله الأدلة الجديدة التى تطرأ فى الجلسة وتكون فى صالح المتهم، ويكون من شأن ذلك أن يعتمد على ما توافر له من علم شخصى مسبق، لا على ما دار أمامه بالجلسة([33]).
2-خطة التشريعات المقارنة فى حق المحكمة بإقامة الدعوى في جرائم الجلسات
-تقيد محكمة الموضوع بقرار الإحالة:
القاعدة العامة التى تتفق عليها خطة التشريعات الإجرائية المقارنة هى أن قرار الإحالة يرسم الحدود الشخصية والموضوعية للدعوى أمام محكمة الموضوع، وهذا القرار، وإن كان لا يقيد محكمة الموضوع فيما انطوى عليه من تكييف للفعل موضوع الاتهام؛ إلا أنها تلتزم بعدم إضافة أفعال لم يشملها فيه، كما أن المحكمة تتقيد أيضاً بمحاكمة المتهمين الذين وردوا فى قرار الإحالة، فلا يجوز لها أن تستبعد بعضهم من الاتهام أو أن تضيف غيرهم إليه. ومن المقرر أيضاً أنه يجوز لمحكمة الموضوع أن تعدل فى التهمة التى أحيل بها المتهم سواء بالتشديد أو بالتخفيف، فلا تتقيد بما أسبغته سلطة الإحالة على الفعل من وصف وقيد ([34]).
وهناك استثناءات لهذه القاعدة أثارت جدلاً في خطة التشريعات المقارنة، أبرزها حق المحكمة الجنائية في التصدى، أى إقامة الدعوى من أجل وقائع أو أشخاص لم ترفع عليهم الدعوى المنظورة أمامها. غير أن الذى أثار قدراً كبيراً من الدقة هو حق المحكمة في إقامة الدعوى الجنائية عن جرائم الجلسات والفصل فيها، ويلحق بها الدعوى الناشئة عن جريمة الشهادة الزور. وسبب هذه الدقة أن حق المحكمة في التصدى يقتصر على إقامة الدعوى، دون الحكم فيها؛ أما في جرائم الجلسات فإن للمحكمة الحق في إقامة الدعوى والفصل فيها معاً.
- تأصيل خطة التشريعات المقارنة في خروج المحكمة على نطاق الدعوى المنظورة أمامها: أثر مبدأ الفصل بين سلطتى الاتهام والحكم فى خطة التشريعات المقارنة، فهجرت غالبية هذه التشريعات قاعدة أن كل قاض هو مدع عام، ولم يعد هناك سوى بعض الاستثناءات القليلة التى تتبنى هذه القاعدة ([35]).
وتختلف خطة التشريعات المقارنة فى تخويل القضاء الجنائى الحق فى إقامة الدعوى في جرائم الجلسات: فمن هذه التشريعات من يجعل مباشرة هذا الحق من خلال النيابة العامة، ولا يجيز للمحكمة الحق من تلقاء نفسها بإقامة الدعوى، ومن أمثلة ذلك القانون الألمانى، ويستوى أن تكون الدعوى الجديدة إعمالاً للتصدى أو أن تكون من جرائم الجلسات. فلا يجوز لمحكمة الموضوع أن تتصدى لوقائع أو أشخاص غير المرفوع بشأنهم الدعوى، فقضاء الحكم يتقيد على نحو صارم بقاعدة تقيد المحكمة بحدود الدعوى العينية والشخصية.
وبعض هذه التشريعات تذهب خطتها إلى عدم تخويل المحكمة الحق من تلقاء نفسها فى التصدى كقاعدة عامة، غير أنها تضع بعض الاستثناءات القليلة على هذه القاعدة تنحصر فى حالة ارتكاب جريمة بالجلسة، ومثال هذه الخطة القانون الفرنسى. غير أن هذا الشارع لم يخول محكمة الموضوع حق إقامة الدعوى الجنائية في جرائم الشهادة الزور التى ترتكب أمامها.
وتذهب خطة بعض القوانين إلى عدم تخويل المحكمة الحق فى إقامة الدعوى إلا فى حالة ارتكاب جرائم تمس بسير المحاكمة وتنال من احترام المحكمة، سواء أكانت هذه الأفعال قد ارتكبت داخل جلسة المحاكمة أم خارجها. ومن أمثلة ذلك القانون الإنجليزى، إذ يأخذ الشارع الإنجليزى بحق المحكمة فى إقامة الدعوى فى حالة وقوع أفعال تمس سير المحاكمة أو تخل بأوامرها أو تتضمن التأثير على قضائها، وهو ما يعرف بجرائم "ازدراء المحكمة([36]).
وأخيراً تذهب خطة بعض التشريعات إلى تخويل القضاء الجنائى للحق فى إقامة الدعوى في جرائم الجلسات والحكم فيها-ويتسع معنى جرائم الجلسات في نظر هذا الاتجاه ليشمل جريمة الشهادة الزور، ومثال هذا الاتجاه القانون المصرى.
وفيما يلى نتناول بالبيان خطة هذه التشريعات.
الاتجاه الأول:
عدم جواز إقامة الدعوى من المحكمة مطلقاً من أجل وقائع أو أشخاص آخرين- القانون الألمانى:
القاعدة المقررة فى نظر هذا الاتجاه أن افتتاح إجراءات تحقيق الدعوى الجنائية بجلسة المحاكمة يجب أن يكون من خلال رفع دعوى عامة. وقد نص الشارع الألمانى صراحة فى المادة 151 من قانون الإجراءات الجنائية الألمانى على هذا المبدأ بقوله إن: "افتتاح إجراءات التحقيق القضائى يجب أن تكون من خلال رفع ادعاء"([37]). ومفاد خطة هذا الشارع أن هذا الاتهام فى صورته النهائية هو الذي يرسم حدود الدعوى العينية والشخصية أمام محكمة الموضوع ([38])([39]). ولا يجوز للمحكمة أن تتصدى لأية أفعال أو وقائع لم ترفع الدعوى بشأنها، فلا يجوز لها أن تقوم بمحاكمة غير من أقيمت عليه الدعوى، وكان محلاً للاتهام، كما لا يجوز لها أن تنظر وقائع غير التى رفعت بها الدعوى، ولو تكشفت عرضاً أثناء نظر الدعوى ([40]). فافتتاح إجراءات التحقيق النهائى في الدعوى الجنائية بجلسة المحاكمة يجب أن يكون من خلال رفع "دعوى عامة"([41]). وقد كانت أحد الأسباب التى دعت تاريخياً إلى الأخذ بنظام النيابة العامة فى ألمانيا بعد العدول عن النظام التنقيبى هو إسباغ قدر من الرقابة على المحاكم فى أدائها لوظيفتها من خلال طرف محايد فى الدعوى ووضع حدود لسلطة المحاكم للحيلولة دون تعسفها وتحكمها فى مباشرتها لسلطتها([42]). وقد كان من نتائج الفصل بين وظيفتى الادعاء والحكم أنه لا يجوز للمحكمة إذا ارتكبت جريمة فى الجلسة أمامها أن تقوم بمحاكمة مرتكبها؛ وإنما يجب عليها أن تبلغ النيابة العامة([43])، وذلك تطبيقاً لقاعدة أنه "حيث لا يوجد ادعاء، فلا يوجد قاض"([44])، والاتهام يقيد حدود الدعوى أمام المحكمة بقيد شخصى وأخر متصل بالوقائع التى أقيمت من أجلها الدعوى([45]). ومن نتائج هذا التكييف أن الدولة ممثلة فى النيابة العامة هى التى تستأثر وحدها بوظيفة الاتهام، وليس للمدعى المدنى سوى دور محدود فى الدعوى الجنائية([46]).
وقد كان من نتائج تطبيق مبدأ الفصل بين وظيفتى الاتهام والحكم، والذى يتبناه الشارع الألمانى أنه لا يجوز للمحكمة إذا ارتكبت جريمة فى الجلسة أمامها أن تقوم بمحاكمة مرتكبها؛ وإنما يجب عليها أن تقوم بإبلاغ النيابة العامة بها([47])، وقد نص الشارع الألمانى فى المادة 183 من قانون نظام القضاء على أنه "إذا ارتكب فعل مجرم بجلسة المحاكمة، فإن المحكمة تقوم بإثبات هذا الفعل وتقوم بإبلاغ السلطة المختصة بما أثبتته بمحضرها"، وأجاز الشارع فى الفقرة الثانية من هذه المادة للمحكمة أن تأمر بإلقاء القبض على المتهم إذا توافرت إحدى الحالات التى تبرر ذلك([48]).
الاتجاه الثانى:
عدم جواز التصدى لجرائم أو متهمين جدد ومن بينها الشهادة الزور واستثناء بعض جرائم الجلسات-القانون الفرنسى:
-القاعدة العامة:
تأثر الشارع الفرنسى فى قانون التحقيق الجنائى لسنة 1808 ببعض ملامح النظام التنقيبى، فأجاز للمحاكم الحق فى إقامة الدعوى الجنائية من تلقاء نفسها وذلك فى عدد من الحالات المختلفة ([49]). فبموجب المادة 279 من قانون التحقيق الجنائى سالف الذكر، فلمحكمة الجنايات إذا ظهر لها من المرافعة أن المتهم قد ارتكب جرائم تشكل جنايات أخرى يعاقب عليها الشارع بعقوبة أشد أو أن له شركاء فى الجريمة، أن تأمر من تلقاء نفسها بإقامة الدعوى الجنائية عن هذه الوقائع وهؤلاء الأشخاص. ونص الشارع الفرنسى كذلك بموجب المادة 360 من القانون سالف الذكر على أنه إذا حكم ببراءة المتهم من التهمة الأصلية التى يحاكم عنها، وتبينت المحكمة توافر وقائع إجرامية جديدة منسوبة إليه، فلرئيس المحكمة أن يأمر بتحريك الدعوى الجنائية عن الوقائع، وأن يحيل المتهم إلى القاضى المختص ([50]).
وقد ألغى الشارع الفرنسى فى قانون الإجراءات الجنائية الحالى الصادر سنة 1959 نص المادة 279 سالفة الذكر، والتى كانت تجيز لمحكمة الجنايات الحق فى التصدى بالنسبة للوقائع أو المساهمين الجدد والتى تظهر من المرافعة، ومن ثم لم يعد للقضاء الفرنسى الحق فى التصدى وتحريك الدعوى الجنائية استناداً إلى هذه الحالات ([51]).
وقد استبدل الشارع نص 369 من قانون الإجراءات الجنائية بنص المادة 360 من قانون التحقيق الجنائى سالفة الذكر. وبموجب النص الحالي، الذى وضعه الشارع فى الباب المخصص لمحاكم الجنايات، فإنه: "إذا ظهر أثناء المرافعة قيام تهم أخرى ضد المتهم بسبب وقائع أخرى، وكانت النيابة العامة قد اتخذت الإجراءات التحفظية بغرض الملاحقة، فإن لرئيس المحكمة أن يأمر باقتياد المتهم المحكوم ببراءته دون تأخير وبالقوة الجبرية إلى نائب الجمهورية فى مقر محكمة الجنايات، والذى يجب عليه أن يطلب فوراً فتح تحقيق"([52]). وقد ألغى الشارع الفرنسى كذلك ما كان ينص عليه قانون التحقيق الجنائى من تخويل محكمة النقض سلطة تحريك الدعوى الجنائية عن بعض الجرائم عند نظر طلب المخاصمة من تلقاء نفسها ودون تدخل النيابة العامة (المادة 494) ([53]).
وقد قصر الشارع الفرنسى فى القانون الحالى الحق فى التصدى على غرفة التحقيق التى حلت محل غرفة في اختصاصها بالإحالة فى الجنايات. أما بالنسبة لقضاء الحكم فإن وثيقة الاتهام هى التى تحدد الحدود العينية والشخصية للدعوى والذي تتقيد بها المحكمة، فقرار الاتهام الصادر من غرفة التحقيق بإحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات هو الذي يحدد الوقائع التى تلتزم المحكمة بنظرها، كما أنه يحدد الأشخاص الذين تجرى محاكمتهم، ولا يجوز للمحكمة أن تخرج على هذه الحدود([54]). وفى مواد الجنح والمخالفات، فسواء أتمت إحالتها من قاضى التحقيق أو من النيابة العامة، فإن أمر الإحالة أو ورقة التكليف بالحضور هما اللذان يرسمان الحدود العينية والشخصية للدعوى أمام المحكمة والتى لا يجوز لها أن تخرج عليها. وقد نص الشارع الفرنسى فى المادة 231 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة سنة 2021 على أن "لمحكمة الجنايات السلطة التامة، سواء أول درجة أو الاستئناف، فى محاكمة الأشخاص المحالين إليها بقرار اتهام. وأنه ليس بمقدورها أن تختص بغيره من اتهام آخر"([55]).
-الشهادة الزور:
-الشهادة الزور: لم يخول الشارع الفرنسى فى جرائم الشهادة الزور -التى ترتكب أمام محاكم الجنايات- الحق فى تقيم الدعوى وأن تحكم على الشاهد الذي تتبين زور شهادته، إذ نصت الفقرة الأولى من المادة 342 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه "إذا بدا وفقاً للمرافعة، أن الشهادة التى أدلى بها أحد الشهود مزورة، فإن لرئيس الجلسة، سواء من تلقاء نفسه، أو بناء على طلب من النيابة العامة أو أحد الأطراف في الدعوى، أن يأمر هذا الشاهد تحديداً بأن يظل حاضراً أثناء جلسة المرافعة وحتى قفل بابها، وله علاوة على ذلك أن يأمر بإبقائه بقاعة الجلسة، حتى النطق بالحكم من محكمة الجنايات"([56]).
وقد واجه الشارع احتمال عدم انصياع الشاهد للأمر بالبقاء، فنصت الفقرة الثانية من المادة 342 سالفة الذكر على أنه في حالة مخالفة هذا الأمر، فلرئيس المحكمة أن يضع الشاهد رهن "التوقيف الاحتياطي"([57]). ويلاحظ أن تعبير "التوقيف" هو أوسع نطاقاً من القبض، إذ يجوز أن يمتد التوقيف مدة أطول من القبض.
وقد نص الشارع الفرنسي في المادة 457 من قانون الإجراءات الجنائية على الإجراءات التي يجب تخاذها عندما تتبين المحكمة أن الشاهد قد شهد زوراً أمامها. فنصت على أنه: "إذا بدا بحسب ما جرى في المرافعة أن شهادة الشاهد كاذبة، يقوم الرئيس، من تلقاء نفسه أو بناء على طلب النائب العام أو أحد الأطراف، بتسجيل الأقوال المحددة للشاهد في مذكرة الجلسة"([58]) (الفقرة الأولى). وله أن يأمر الشاهد تحديدا بالبقاء تحت تصرف المحكمة، لتستمع إليه مرة أخرى، إذا لزم الأمر. وإذا صدر الحكم في اليوم نفسه، يجوز للرئيس أيضا أن يحتجز الشاهد من قبل القوة العامة داخل قاعة المحكمة أو خارجها([59]). وبعد تلاوة الحكم الصادر في الموضوع، تأمر المحكمة بمثوله أمام نائب الجمهورية، والذي عليه طلب فتح تحقيق عن الشهادة الزور. وبعد نظر المحكمة في القضية وتلاوة الحكم، تحرر المحكمة محضراً بالوقائع أو الأقوال التي يمكن أن تنتج عنها الشهادة الزور([60]). وترسل المحاضر ونسخة من المذكرات إلى النيابة العامة دون تأخير.
وبعد تلاوة الحكم من محكمة الجنايات، أو في حال أن أحيلت الدعوى إلى دور انعقاد آخر، يأمر رئيس المحكمة باقتياد الشاهد بدون تأخير بالقوة الجبرية ليمثل أمام نائب الجمهورية الذى عليه أن يطلب فتح تحقيق. ويقوم كاتب المحكمة بإرسال نسخة إليه من محاضر الجلسات التي قد تكون حررت طبقاً للقواعد المنصوص عليها في المادة 333 من قانون الإجراءات([61]). والمحضر الذى يحرر يكون بتكلف رئيس المحكمة لكاتب الجلسة بتحريره، ولرئيس الجلسة ذلك سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب من النيابة العامة أو أحد الأطراف في الدعوى. يشتمل هذا المحضر على الإضافات أو التغييرات أو الاختلافات التي يمكن أن توجد في شهادة أحد الشهود مع أقواله السابقة. ويرفق هذا المحضر بمحضر جلسات المرافعة([62]).
وقد نص الشارع على هذه القواعد أمام محكمة الجنح المادة 457 من قانون الإجراءات الجنائية) ([63]).
ويلاحظ أن "طلب فتح تحقيق"، الذى نص عليه الشارع الفرنسي يعنى توجه النيابة العامة إلى قاضى التحقيق بطلب لإجراء تحقيق في الواقعة التي سطرتها المحكمة في محضرها. وهو ما يعنى أنه ليس للنيابة في هذه الحالة سلطة تقديرية في عدم تقديم هذا الطلب لقاضى التحقيق.
-جرائم الشغب والإخلال بنظام الجلسات:
أجاز الشارع الفرنسى -في بعض جرائم الجلسات-لرئيس المحكمة إذا وقع فى الجلسة ما يخل بنظامها أن يأمر المتسبب بالخروج من قاعة المحكمة فوراً، وإذا وقعت أثناء تنفيذ هذا التدبير مقاومة من المتهم لهذا الأمر أو أدى إلى إحداث شغب بالجلسة، فإنه يجوز لرئيس الجلسة أن يصدر أمراً بضبط المتهم، وأن يحكم عليه بالعقوبة المقررة. وقد نصت المادة 321 من قانون الإجراءات الجنائية التى وردت في باب محاكم الجنايات على أنه: "إذا وقع من أحد الحضور بالجلسة إخلال بالنظام بأى صورة كانت، يصدر رئيس المحكمة أمراً بإخراجه من قاعة الجلسة. وإذا وقع أثناء تنفيذ هذا التدبير مقاومة لهذا الأمر أو سبب شغباً، فإنه يأمر في الحال بوضعه تحت الاحتجاز، وأن يحاكم ويعاقب بالحبس لمدة سنتين، دون إخلال بالعقوبات الواردة في قانون العقوبات للجناة فى جرائم الإهانة والعنف ضد القضاة. وبموجب أمر يصدر من رئيس المحكمة، فإنه يجبر بالقوة على مغادرة الجلسة([64]).
وإذا كان المتهم نفسه هو الذى ارتكب الأفعال السابقة وخالف الأمر الصادر من رئيس الجلسة، ففي هذه الحالة يتم إخراجه من قاعة المحاكمة، ويتم حراسته من رجال السلطة العامة، ولحين انتهاء المرافعة يظل تحت تصرف المحكمة. وقد نص الشارع الفرنسي على أنه بعد كل جلسة يتبع الإجراء المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 230 من قانون الإجراءات([65]).
والإجراء الذى يعنيه الشارع الفرنسي هو أن "يتلو كاتب الجلسة بمحكمة الجنايات على المتهم محضر جلسة المرافعة التي لم يحضرها، وأن يسلمه نسخة موقعة من طلبات النيابة العامة والقرارات والأحكام التي أصدرتها المحكمة، والتي تعتبر جمعيها في هذه الحالة حضورية"([66]).
وقد نص الشارع الفرنسى فى المادة 404 إجراءات على تخويل محاكم الجنح ذات الحقوق المنصوص عليها فى المادة 321 وبصياغة متطابقة([67])
ولكن يلاحظ أن الحكم على المتهم فى هذه الحالات ليس وجوبياً؛ وإنما يجوز لرئيس المحكمة أن يأمر بإحالة المتهم إلى النيابة العامة لتتخذ شئونها طبقاً للقواعد العادية ([68])، وفى هذه الحالة يكون قد اقتصر الأمر على مجرد إقامة الدعوى الجنائية دون الحكم فيها. ويلاحظ أن سلطة تحريك الدعوى الجنائية المقررة لرئيس المحكمة فى هذه الحالة هى سلطة يملكها بمفرده، وليست مخولة إلى المحكمة بكامل هيئتها، ولذلك، فإن المحكمة غير مختصة بتوقيع التدابير المنصوص عليها فى الحالات السابقة ([69]).
-نوع الجريمة وأثره في الإجراءات المتبعة بجرائم الجلسات:
فى حالة ارتكاب جريمة من جرائم الجلسات، فإن الشارع الفرنسى قد غاير فى الإجراءات فى حالة ما إذا كانت الجريمة جناية أو جنحة أو مخالفة: فإذا كانت الجريمة المرتكبة فى الجلسة تشكل جناية، فإن سلطة المحكمة فى هذه الحالة تنحصر فى إصدار أمر بالقبض على المتهم وأن تقوم باستجوابه، وتحرير محضر بالوقائع، ثم تأمر بإحالته فوراً إلى النيابة العامة الذى يجب عليها أن تطلب -من قاضى التحقيق-فتح تحقيق ابتدائى (المادة 678 من قانون الإجراءات الجنائية) ([70]). ويرى جانب من الفقه الفرنسى أن إجراءات التحفظ على المتهم وإثبات الوقائع والتى تتخذ من المحكمة فى هذه الحالة لتقديمها إلى النيابة العامة، لا تخول المحكمة الحق فى الاتهام([71]).
وإذا شكلت الجريمة المرتكبة بالجلسة جنحة، فإنه يجب التفرقة بين محكمة الجنح أو محكمة الجنح المستأنفة من ناحية، وبين محكمة المخالفات من ناحية أخرى: فإذا ارتكبت الجنحة فى جلسة منعقدة أمام محكمة الجنح أو الجنح المستأنفة، فإن لرئيس الجلسة أن يختار بين أمرين: الأول أن يأمر بتحرير محضراً بالوقائع ويحيل المتهم إلى النيابة العامة، والثانى أن تختص المحكمة بمحاكمة المتهم من تلقاء نفسها، وفى حال أن كانت العقوبة المقيدة للحرية المقضى بها تزيد على شهر، فإنه يجب أن يصدر أمر بحبس المتهم فوراً(المادتان 677، 791 من قانون الإجراءات الجنائية).
وإذا كانت الجنحة قد ارتكبت أثناء انعقاد محكمة المخالفات، فإن على القاضى أن يثبت الوقائع فى محضر وأن يرسله إلى النيابة العامة، وإذا كانت عقوبة الجريمة التى ينسب للمتهم ارتكابها تزيد على ستة أشهر، فإن لرئيس المحكمة أن يصدر أمراً بالقبض على المتهم وأن يأمر باقتياده فوراً إلى النيابة العامة (الفقرة الثانية من المادة 677) ([72]).
وأما إذا كانت الجريمة المرتكبة فى الجلسة تشكل مخالفة، فإن المحكمة –أياً كان اختصاصها- تتولى الحكم على المتهم فى الحال (المادة 675 من قانون الإجراءات الجنائية) ([73]).
-عدم جواز إقامة الدعوى والحكم فيها في جرائم إهانة القضاء المرتكبة بالجلسة:
خرج الشارع الفرنسى على القواعد المتقدمة والتى تجيز للمحكمة حق إقامة الدعوى الجنائية والحكم فيها، وذلك في حال أن ارتكبت بالجلسة جريمة إهانة القضاء المنصوص عليها في المادة 434-24 من قانون العقوبات. ففي حال أن ارتكبت هذه الجريمة أثناء سير الجلسة أمام المحكمة، فإن رئيس الجلسة يحرر محضراً بما وقع، ويحيله إلى نائب الجمهورية. ولا يجوز للقضاة الذين شاركوا في الجلسة التي ارتكبت فيها الجريمة أن يدخلوا ضمن تشكيل المحكمة التي تنظر الدعوى عنها (الفقرة الأخيرة من المادة 677)([74]).
وجرائم إهانة القضاء المنصوص عليها في المادة 434-24 من قانون العقوبات الفرنسي هي كل إهانة وقت بأقوال أو إيماءات أو تهديد أو كتابة أو صور من أي نوع لم يتم نشرها، أو عن طريق إرسال أي شيء موجه إلى قاض أو محلف أو أي شخص يجلس ضمن تشكيل قضائي، وذلك أثناء ممارسة واجباته أو بمناسبة هذه الممارسة، ويهدف إلى تقويض كرامته أو الاحترام الواجب للمنصب الذي تم تكليفه به.
وقد شدد الشارع العقوبة إذا ارتكبت جريمة الإهانة في المكان الذى تنعقد فيه جلسة المحكمة([75]).
الاتجاه الثالث:
عدم جواز إقامة الدعوى والفصل فيها إلا في الجرائم الماسة بالمحكمة- القانون الإنجليزى:
-جرائم ازدراء المحكمة فى القانون الإنجليزى: يقرر الشارع الإنجليزى منذ وقت طويل حق القضاء فى التصدى للأفعال التى تنطوى على مساس بها، إذ يعود تقرير هذا الحق للمحاكم إلى القرن الثانى عشر. وقد نظر إلى هذا الحق بحسبانه يجسد كفالة احترام العدالة الجنائية، وإلى أنه يرمز إلى سيادة وسمو القانون ([76]). ويشمل تعبير "ازدراء المحكمة" كافة الأفعال التى تنال من احترام المحكمة أو تتضمن التأثير فى قضائها، ومن ثم فإن لهذا التعبير مدلول واسع ينطوى على طائفة واسعة من الأفعال التى تنطوى على المساس بالمحكمة([77]). والازدراء يعبر عن صورة من سوء سلوك يرتكب أثناء سير الإجراءات، سواء أكان ذلك في مواجهة المحكمة ذاتها، أو ما يتصل مباشرة بما يحدث في المحكمة([78]). وجوهر الازدراء داخل المحكمة "يدل على التحدى المتعمد وعدم الاحترام تجاه المحكمة، أو ينطوى على إهانة متعمدة لسلطة المحكمة أو سيادة القانون نفسه"([79]).
والازدراء نوعان: الأول يقع في مواجهة المحكمة، والثانى خارجها. ومن أمثلة الازدراء الذى يقع في مواجهة المحكمة: الاعتداء بالضرب على أي شخص بالجلسة العلنية؛ إهانة القضاة في المحكمة؛ رمى شيء تجاه القاضى؛ إلقاء فأر ميت تجاه كاتب الجلسة؛ توجيه إهانة مباشرة لهيئة المحلفين؛ توزيع منشورات في مكان عام تتضمن التعريض بالمحكمة؛ إهانة أو تهديد أي موظف بالمحكمة؛ ارتداء ملابس فاضحة داخل المحكمة أو عدم ارتدائها مطلقاً؛ رفض الإجابة على سؤال بالرغم من صدور أمر من المحكمة بذلك، رفض حلف اليمين؛ السلوك المزعج كالنداء أو التصفيق في المكان المخصص للجمهور، أو إبداء عبارات الاستهجان أو الاستلقاء في قاعة المحكمة، أو إحداث إزعاج في أجزاء مجاورة للمبنى الذى تتم فيه إجراءات المحكمة([80]).
وفى تفسير تعبير "المحكمة"، فإن الشارع الإنجليزى قد وسع في معناه ليتضمن كل مجلس أو جهة تباشر السلطة القضائية للدولة.
ويرجع المصدر القانونى لتخويل المحاكم الجنائية للحق فى إقامة الدعوى والفصل فيها في هذه الجرائم، إلى "الشريعة العامة الإنجليزية"، وقد تدخل الشارع الإنجليزي ونص على تنظيم حق المحاكم فى ذلك بموجب "قانون ازدراء المحاكم لسنة 1981" ([81])، والذى لحقته العديد من التعديلات؛ غير أن هذا القانون لا يشمل تنظيم كافة جوانب هذا الحق، ومن ثم فإن الشريعة العامة ما تزال مصدراً أساسياً للحق فى التصدى فى هذه الحالات ([82]). ويشكل التمييز بين الجرائم التى ترتكب داخل المحكمة ([83])، وبين التى ترتكب خارجها ([84]) أهمية كبيرة فى نظر الشارع الإنجليزي: فقد قصر الشارع حق المحاكم الأدنى درجة على الجرائم التى ترتكب داخل المحكمة، سواء أكان الفعل واقعاً على قاض أو شاهد أو أحد موظفيها أو محام داخلها؛ بينما وسع من حق المحاكم العليا فى التصدى ليشمل ما يرتكب داخل المحكمة أو خارجها ([85]). وضابط التفرقة بين نوعي الجرائم هو مدى وقوع الفعل "فى مواجهة المحكمة"([86])، فهذا الضابط يكفل إحاطة المتهم بظروف ومكان ارتكاب الفعل([87]). وقد فسر القضاء الإنجليزى هذا التعبير تفسيراً واسعاً، إذ أنه لا يقتصر فقط على ما شهده القاضى بنفسه؛ بل يتضمن كل ما يستدل منه على وصوله إلى سمع أو رؤية القاضى، حتى ولو لم يكن الجانى ظاهراً داخل المحكمة([88]).
- الخصائص الإجرائية التى تتميز بها جرائم ازدراء المحكمة: هناك بعض الخصائص لجرائم ازدراء المحكمة التى تشترك فيها مع الجرائم العادية من الناحية الإجرائية، غير أنها تختلف معها كذلك فى كثير من القواعد: فأما ما تشتركان فيه: فهو أن الحكم الصادر فيهما بالإدانة يجب أن يكون "وراء كل شك معقول" ([89]). وأما ما تختلف فيه عن الجرائم العادية من قواعد إجرائية فهو: أن جرائم ازدراء المحكمة لا تحتاج إلى تدخل سلطة الاتهام، ولا تجرى بموجب تكليف المتهم بالحضور أو إصدار أمر بالقبض عليه، كما أن المتهم فيها لا يكون له حق المحاكمة بمحلفين ([90]). وفى الجرائم التى ترتكب بجلسة المحاكمة، فإن القاضى يملك الحكم وتوقيع العقوبة على الجانى فوراً، حتى ولو كانت الجريمة واقعة على القاضى شخصياً ([91]).
و"الغرض الوحيد من إجراءات الازدراء هو إعطاء المحاكم السلطة بشكل فعال لحماية حقوق العامة، لضمان أن إقامة العدل لن يتم إعاقته أو منعه"([92]).
وتتميز إجراءات الدعوى الجنائية فى جرائم ازدراء المحكمة بأنها "إجراءات إيجازية"([93])، إذ تجرى بمعرفة القاضى المتخصص دون المحلفين. والإجراءات الإيجازية تتبع فى جميع جرائم ازدراء المحكمة، لا فرق فيها بين الجرائم التى ترتكب فى مواجهة المحكمة أو التى ترتكب خارجها ([94]). ويجرى هذا النوع من المحاكمات بأن يقوم القاضى بصياغة التهمة ويسأل المتهم عنها ويسمع دفاع، فإن وجده مذنباً قضى بإدانته فى الحال، ودون اتباع أى إجراءات أخرى ([95]).
- حق إقامة الدعوى والحكم في جرائم ازدراء المحكمة التى ترتكب خارج جلسة المحاكمة: سبق أن ذكرنا أن الشارع الإنجليزى قد قصر الحق فى إقامة الدعوى والحكم فيها فى جرائم ازدراء المحكمة التى ترتكب خارج الجلسة على المحاكم العليا، ولم يخول ذلك لسواها إلا بالنسبة للجرائم التى ترتكب أثناء المحاكمة. وإذا كان حق المحاكم الإنجليزية فى التصدى لجرائم ازدراء المحكمة ومحاكمة مرتكبيها قد استقر منذ زمن بعيد؛ فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الجرائم التى ترتكب خارج المحكمة، إذ أثار ذلك جدلاً فى الفقه والقضاء الإنجليزيين ([96]).
ومن المستقر عليه فى نظر الفقه والقضاء الإنجليزيين أن المحاكمة الفورية فى جرائم ازدراء المحكمة التى تقع خارجها جائزة، غير أن الإجراءات فيها تستغرق وقتاً أطول من الجرائم التى ترتكب فى مواجهة المحكمة، وقد خول قانون ازدراء المحكمة لسنة 1981 (الفصل السابع)، و"قواعد المحكمة العليا" ([97])، الحق فى التصدى واتخاذ إجراء المحاكمة الفورية على الجرائم التى تشكل ازدراءً وتقع خارج جلسة المحاكمة. غير أنه على الرغم من سلطة المحاكم فى ذلك، فإنه عملاً لا تُتخذ إجراءات المحاكمة الفورية، إلا فى الحالات التى تنطوى على تهديد حال لإجراءات المحاكمة، ومثالها تهديد الشهود أو إيذاؤهم. ومن القليل عملاً أن تتبع إجراءات المحاكمة الفورية فى جرائم ازدراء المحكمة التى تقع بواسطة النشر أو غيرها من وسائل الإعلام ([98]). إذ تتبع فى شأن المحاكمة عن هذه الجرائم إجراءات أقل إيجازاً من الإجراءات التى تتبع بشأن جرائم الازدراء الأخرى، ففيها يجرى إصدار أمر بإحالة المتهم إلى المحاكمة ([99])، ويعلن المتهم بموضوع التهمة ويكون لديه وقت لتحضير دفاعه ([100]). غير أنه مع ذلك، فإن المحاكمة فى هذه الدعاوى لا تتوافر فيها بعض الضمانات التى تتوافر للمتهم فى المحاكمات العادية: فالدليل فيها يأخذ صورة "الشهادة الخطية" ([101])، ولا يكون هناك فحص مقابل للدليل، ولا يكون للمتهم الحق فى المحاكم بواسطة المحلفين؛ غير أنه يتاح له دائما تقديم شهود نفى([102]).
وقد تعرضت إجراءات المحاكمة الإيجازية فى جرائم ازدراء القضاء للنقد من الفقه الإنجليزى، لأنه لا يجب أن تكون سرعة الإجراءات وفاعليتها على حساب الضمانات المقررة للأفراد، وأنه إذا كان هناك مبرر لسرعة إجراءات المحاكمة فى بعض الحالات، مثل الجرائم التى تنطوى على تهديد حال ومباشر للشهود أو إيذائهم، فإن هذا المبرر لا يتوافر فى حالات أخرى. وأن السلطة المخولة للقضاة فى هذه الحالة قد تؤدى إلى التحكم ومن ثم يجب تقييد ممارستها ([103]). وباستثناء محكمة مجلس اللوردات، فإن جميع المحاكم الأخرى تملك بعد أن تقوم بالتصدى لجريمة الازدراء أن تتخذ إجراءات إحالة الدعوى، ولا تقضى فيها بنفسها([104]).
- الحق فى التصدى لجرائم ازدراء المحكمة للمحاكم الأدنى درجة فى التنظيم القضائى الإنجليزى: لم تكن محاكم الدرجة الأدنى فى الترتيب القضائى الإنجليزى تملك الحق فى إقامة الدعوى والحكم فيها في جرائم ازدراء المحكمة التى تقع بالجلسة حتى صدور قانون ازدراء المحكمة سنة 1981، الذي أجاز لها سلطة التصدى والعقاب على هذه الجرائم([105]). ولهذه المحاكم السلطة فى أن تقوم بمحاكمة المتهم إيجازياً فى الحال، أو أن تلجأ إلى اتخاذ بعض الإجراءات الخاصة إذا كانت إجراءات المحاكمة الإيجازية غير مناسبة، ويكون ذلك إذا كان الشارع قد نص على عقوبات خاصة توقع بالنسبة لجرائم معينة ومن أمثلتها: جرائم استخدام جهاز تسجيل فى المحكمة؛ التقاط صور فوتوغرافية فى المحكمة؛ رفض شاهد حلف اليمين أو رفضه أن يقدم مستنداً أو شيئاً معيناً للمحكمة، ففى هذه الحالات يكون من غير الملائم استخدام سلطة المحاكمة الإيجازية ويكون من المناسب إجراء المحاكمة طبقاً للقواعد العادية([106]).
- الحق فى التصدى وقاعدة المسئولية الموضوعية:
تبنى الشارع الإنجليزى فى قانون ازدراء المحكمة سنة 1981 تطبيق قاعدة المسئولية الموضوعية في بعض الحالات التى تقع فيها الجريمة. فقد نص الفصل الأول من القانون سالف الذكر على تعريف هذه المسئولية -في خصوص هذه الجريمة- بأنه "القاعدة القانونية التى يمكن بمقتضاها أن يعتبر السلوك المرتكب مشكلاً ازدراءً للمحكمة، وذلك إذا اتجه للتأثير على سير العدالة فى إجراءات قانونية معينة، وذلك بصرف النظر عن توافر القصد من ذلك"([107]). أما بخلاف الحالات التى نص فيها الشارع على تطبيق قاعدة المسئولية الموضوعية، فإن القواعد العامة في المسئولية هى التى تطبق.
ومفاد خطة الشارع الإنجليزى أنه انتقى بعض الظروف التى ترتكب فيها جريمة ازدراء المحكمة، وطبق عليها قاعدة المسئولية الموضوعية، والتى تعنى التخفف من عناصر القصد الجنائى التى يجب أن تتوافر لدى الجانى، فيكفى أن يقوم الجانى بالتأثير بفعله على سير العدالة في إجراءات قانونية محددة، ولا يلزم أن يتوافر لديه قصد خاص من هذا التدخل. ونظراً لأن هذه الخطة تعكس تشدداً واضحاً حيال تلك الحالات، كما أن تطبيق هذا المبدأ يؤدى إلى التوسع في نطاق المسئولية الجنائية فيها، فإن الشارع قد وضع قيوداً تحد من نطاق تطبيق هذه المسئولية. فقد نص في الفصل الثانى من القانون السابق([108]) على مجموعة من الضوابط التي من شأنها أن تضع حدوداً لهذه المسئولية: فمن ناحية، فإن الشارع قد قصر تطبيق هذه المسئولية على جرائم ازدراء المحكمة المرتكبة بطريق النشر والذى جعل له الشارع الإنجليزى مدلولاً واسعاً فيشمل القول أو الكتابة أو ما يبث من خلال كافة وسائل الاتصال، سواء أكانت موجهة إلى الجمهور بوجه عام أو قطاع منه.
ومن ناحية ثانية، فإن المسئولية الموضوعية لا تطبق إلا على النشر الذى يحدث خطراً كبيراً على سير العدالة في الإجراءات موضوع ما تنظره المحكمة، على نحو يؤدى إلى عرقلة جسيمة للعدالة أو تحيزاً ضد المتهم.
ومن ناحية ثالثة، فإنه يجب أن تتوافر صلة زمنية بين الإجراءات محل الدعوى، وبين النشر، فيجب أن تكون هذه الإجراءات "محركة" أثناء النشر([109]). والمقصود بتعبير "محركة"، أن يتخذ فيها أكثر من إجراء من الإجراءات الأولية التي نص الشارع عليها وهى: القبض بدون أمر؛ إصدار أمر بالقبض؛ إصدار أمر بالحضور؛ تقديم قائمة اتهام أو وثيقة أخرى تحدد فيها التهمة؛ توجيه التهمة شفوياً.
وقد أجاز الشارع لمن يقوم بالنشر أن يدفع بانتفاء مسئوليته الموضوعية، بأنه قد اتخذ وقت النشر "كافة العناية المعقولة"([110]) بانتفاء علمه وبعدم توافر سبب لديه في الشك بأن الإجراءات محركة، وكذلك الشأن بالنسبة لموزع المطبوعات التي تتضمن ازدراءً للمحكمة، إذ بمقدوره الدفع بانتفاء مسئوليته إذا أثبت أنه اتخذ كافة العناية المعقولة بأنه لم يكن يعلم وقت توزيع هذه المطبوعات بمحتواها، وأنه لم يكن يتوافر لديه سبب للشك يجعله من المحتمل أن يفعل ذلك. وقد ألقى الشارع على عاتق الشخص الذى يتمسك بانتفاء مسئوليته في الحالات السابقة عبء إثبات الوقائع التي تؤيد ذلك([111]). وقد أخرج الشارع من نطاق قاعدة المسئولية الموضوعية المطبوعات المنشورة -كلياً أو جزئياً- إذا جرت بحسن نية باعتبارها مناقشة للمسائل العامة أو غيرها من الأمور التي تهم المصلحة العامة، وذلك إذا كان الخطر من إعاقة إجراءات قانونية معينة أو المساس بها أمراً عرضياً لهذه المناقشة([112]). ويخرج من نطاق المسئولية الجنائية الموضوعية الشخص الذى نشر تقريراً عن سير إجراءات قانونية اتخذت علانية، إذا اتصف بالنزاهة والدقة وتوافر لدى ناشره حسن النية. وفى هذه الحالة يجوز للمحكمة إذا بدا لديها أنه من الضرورى حتى تتفادى خطراً كبيراً ينطوى على ضرر حال أو وشيك الوقوع على إدارة العدالة أن تأمر بتأجيل نشر التقرير المتعلق بهذه الإجراءات أو بعض منها، وذلك للمدة التي تعتقد فيها المحكمة أنها لازمة لهذا الغرض (الفصل الرابع في بنده الأول والثانى).
ولا يجوز للمكمة -كقاعدة- أن تأمر بكشف مصدر معلومات الشخص فيما قام بنشره، والذى يشكل جريمة ازدراء المحكمة، ويمتد هذا الحظر إلى شخص المتهم بهذه الجريمة، أو إلى أي شخص آخر سواه، ولا يجوز اعتبار رفض هذا الشخص دليلاً على الإدانة بالجريمة. غير أنه يرد استثناء على هذه القاعدة هي أن يكون هذا الإفصاح ضرورياً لحماية مصلحة العدالة أو الأمن القومى أو لمنع الإخلال بالنظام أو ارتكاب جريمة([113])، ففي هذه الحالة يجوز للمحكمة أن تأمره بالإفصاح عن مصدر معلوماته. وللمحكمة أن تأمر بحجب نشر اسم معين أو أمور معينة، إذا كان لها صلة بإجراءات تنظر أمامها، وكان من الضرورى حجبها(الفصل 11).
وقد وضع الشارع الإنجليزى قيداً مهماً على الحق فى إقامة الدعوى والحكم فى جرائم ازدراء المحكمة في حال تطبيق "قاعدة المسئولية الموضوعية" ([114])، إذ أوجب صدور موافقة النائب العام على اتخاذ الإجراءات فى هذه الحالة أو بناء على طلب من المحكمة صاحبة الاختصاص في ذلك(الفصل السابع من هذا القانون) ([115]).
وقد ذكرنا قد ميز الشارع الإنجليزى فى حالات ازدراء المحكمة بين المحاكم العليا فى التشكيل القضائى، وبين المحاكم الأدنى درجة: فخول الأولى حق التصدى للجرائم التى ترتكب فى مجلس القضاء أو خارجه وتتضمن مساساً بالمحكمة، فى حين أنه قصر هذا الحق بالنسبة للمحاكم الأدنى درجة على الجرائم التى ترتكب فى جلسة المحاكمة ([116]). والمقصود بالمحاكم العليا فى النظام القضائى الإنجليزى هى: مجلس اللوردات([117])؛ محكمة الاستئناف؛ المحكمة العليا للعدالة ([118])؛ محكمة التاج ([119])؛ المحكمة العمالية الاستئنافية ([120])؛ المحاكم المهنية ذات الاختصاص المقيد؛ المحاكم العسكرية والمحكمة الاستئنافية العسكرية ([121])، وأية محاكم أخرى لها سلطة مساوية للمحاكم السابقة.
-الشهادة الزور في القانون الإنجليزى:
نظر الشارع الإنجليزى إلى الشهادة الزور على أنها جريمة تتصف بالجسامة، وطوال مدة طويلة من الزمن، كانت هذه الجريمة تصطبغ بالصبغة الكنسية، باعتبارها جريمة تنال من الأخلاق القويمة، ومن التعاليم الدينية، ولم يتغير النظرة إليها في القانون الإنجليزى إلا في مرحلة متأخرة، بالنظر إليها على أنها جريمة تنال من العدالة الجنائية وتتضمن مساساً بالقضاء. وفى القرن السادس عشر، فإن أسس المحاكمات الحديثة قد شقت طريقها في نظام العدالة الإنجليزى، والتى توجب أن تجرى المحاكمة أمام محلفين مستقلين وغير منحازين. ومن المقرر في جريمة الشهادة الزور أنها يجب أن تتضمن إقراراً كاذباً، أدلى به في إجراءات قضائية، وجرى تحت القسم، ولأن يتوافر لدى الشاهد العلم والإرادة، ويجب أن تكون الشهادة جوهرية، كأن تتصل بالدليل في الدعوى، أو تتضمن تأثيراً على قناعة المحكمة([122]).
وقد تضمن قانون الشهادة الزور لسنة 1911 ([123]) -المطبق حتى الآن- النص على أركان الجريمة وعناصرها وصورها المختلفة، والمساهمة في ارتكابها، وإجراءات المحاكمة فيها. وقد لحقت هذا القانون تعديلات عديدة، وقد اعتبر الشارع الإنجليزى هذه الجريمة من الجرائم المهمة، وأوجب أن يتم إحالتها بموجب قائمة اتهام، فلا تجرى فيها المحاكمة الإيجازية، ومايز بين صورها المختلفة ودرجة جسامة كل منها. ولم يجز الشارع للمحكمة التي أدلى الشاهد بشهادته أمامها أن تقيم الدعوى عليه وأن تحاكمه من أجل ارتكاب هذه الجريمة، وإنما يجرى إقامة الجريمة وإحالتها إلى المحكمة التى تختص بنظرها استقلالاً.
الاتجاه الرابع
حق جميع المحاكم في إقامة الدعوى والحكم فيها في جرائم الجلسات بما فيها جريمة الشهادة الزور- القانون المصرى
حدد الشارع المصرى المقصود بالتصدى بأنه حق محكمة الجنايات ومحكمة الجنايات المستأنفة ومحكمة النقض على إقامة دعوى جنائية جديدة سواء بالنسبة لوقائع أو أشخاص آخرين لم ترفع بشأنهم الدعوى المنظورة أمامها؛ غير أن الشارع لم يخول لها الحكم فيها، وكان مشروع قانون الإجراءات الجنائية رقم 50 لسنة 1950 يخول هذه المحاكم الحق في إقامة الدعوى والحكم فيها؛ غير أن الانتقادات التى وجهت إلى مشروع القانون جعلت لجنة الإجراءات الجنائية بمجلس الشيوخ بتعديل النصوص التى تقرر حالات التصدى، بأن قصرت حق محكمة الجنايات ومحكمة النقض على تحريك الدعوى الجنائية دون الحكم فيها قصرت الحق في التصدى على إقامة الدعوى الجنائية، دون أن يمتد إلى الحكم فيها ([124]). وقد سبق أن بينا في مقدمة هذه الدراسة أن حق المحكمة في جرائم الجلسات يختلف عن حقها في التصدى، إذ يمتد حقها في الأولى إلى إقامة الدعوى وتحقيقها والحكم فيها، بخلاف التصدى.
غير أن الشارع المصرى قد أجاز لجميع المحاكم الجنائية أن تقيم الدعوى الجنائية وأن تحكم في جرائم الجلسات التى ترتكب أثناء الجلسة، وذلك إذا كانت تشكل جنحة أو مخالفة. أما الجنايات التى ترتكب بالجلسة، فإن حق المحكمة ينحصر في إحالة المتهم إلى النيابة العامة بعد تحرير محضر والقبض على المتهم (المادة 244 من قانون الإجراءات الجنائية).
وإذا لم تقم المحكمة الدعوى في الجريمة المرتكبة أثناء انعقاد الجلسة، فيكون نظرها وفقا للقواعد العادية، ولا يجوز للمحكمة القضاء فيها في هذه الحالة (المادة 445).
وقد اعتبر الفقه والقضاء المصريان أن جريمة الشهادة الزور غير المقترنة بظرف مشدد، من جرائم الجلسات، وأجازا لمحكمة الموضوع حق إقامة الدعوى الجنائية والحكم على الشاهد الذى أدلى بشهادته بالجلسة، وتبينت المحكمة زور شهادته([125]).
المبحث الثانى
قواعد إقامة الدعوى والحكم فيها في جرائم الجلسات
-تمهيد:
سبق أن ذكرنا أن خطة التشريعات المقارنة قد اختلفت في تقرير حق المحاكم الجنائية في إقامة الدعوى والحكم فيها في جرائم الجلسات، وباستبعاد التشريعات التى تحظر هذا الحق أو تقيده، فإن التشريعات التى تقرر للمحاكم هذا الحق تضع ضوابط. ويمكن تأصيل هذه الضوابط من حيث زمان ومكان ونوع الجريمة، كما أن هناك ضوابط تتصل بفكرة إقامة الدعوى ومراعاة حقوق المتهم، إذ تجرى محاكمته في الحال والحكم عليه. وقد أثارت جريمة الشهادة الزور جدلاً، إذ أن القاضى هو الذى أقام الدعوى ووجه الاتهام وقام بالحكم فيها، وهو ما قد ينال من الأسس التى تقوم عليها أصول المحاكمات الجنائية. كذلك إذا وقعت الجريمة أو الإخلال بنظام المحكمة من أحد المحامين بالجلسة، فما هو التصرف الواجب في هذه الحالة؟. وعلى ذلك يمكن تأصيل القواعد التى تطبق على جرائم الجلسات بردها إلى طائفتين من القواعد: الأولى عامة، تسرى على كافة جرائم الجلسات. والثانية هى قواعد خاصة بجرائم معينة كالشهادة الزور والأفعال الصادرة من المحامين بالجلسة. وفيما يلى نبين هذه القواعد.
أولاً: القواعد العامة لإقامة الدعوى في جرائم الجلسات والحكم فيها
- النطاق الزمانى والمكانى لجرائم الجلسات:
يجب أن ترتكب جرائم الجلسات فى جلسة المحكمة، وهذه الجلسة فكرة ترتبط بالزمان والمكان: فمن ناحية فالجريمة يجب أن ترتكب فى أثناء انعقاد الجلسة حتى قفل باب المرافعة، ويمتد مدلول "الجلسة" إلى وقت مغادرة القضاة قاعة المحكمة. ومن ناحية ثانية فإن الجريمة يجب أن ترتكب فى المكان الذى تعقد فيه الجلسة، فإذا غادره القضاة، فإن الجلسة لا تكون منعقدة، كما لو انصرفوا إلى غرفة المداولة، كانت الجلسة غير منعقدة، وبالتالى ينتفى عن الجريمة وصف جرائم الجلسات. ويستوى أن تكون هذه الجلسة سرية أو علنية. وإذا رفعت الجلسة، فلا مجال لإقامة الدعوى الجنائية من المحكمة والحكم فيها، وإنما تطبق فى هذه الحالة القواعد العامة. وعلة ذلك أن تخويل المحكمة فى هذه الحالة حق إقامة الدعوى الجنائية بالنسبة لجرائم الجلسة هو أمر استثنائى، فلا يجب التوسع فى تفسيره، كما يجب قصره على أضيق نطاق. وتطبيقاً لذلك قضى بأنه لما كان ما أورده الحكم من أن محكمة أول درجة لم تتنبه إلى ما أثبته المتهم بمحضر الجلسة إلا بعد انتهاء الجلسة ومغادرة قاعتها إلى غرفة المداولة وانصراف وكيل النيابة وكذا كاتب الجلسة، ولم تعلم به إلا فى غرفة المداولة. وما أتاه المتهم من تماسك بالسيد القاضى إنما كان كذلك فى غرفة المداولة، ولم تكن الجلسة منعقدة، وكانت الجلسة بمعناها الصحيح لا تكون إلا فى خلال الوقت المعين لنظر القضايا أو المسائل المعروضة على هيئة المحكمة فى المكان المعد خصيصاً لهذا الغرض. وانتهاء انعقاد الجلسة المحددة لنظر كل قضية هو عند قفل باب المرافعة فيها، فإن المحكمة تصبح من الوقت الذى اعتبرت المرافعة منتهية لا ولاية لها فى الفصل فى الجرائم التى وقعت أمامها فى الجلسة ولم تقم الدعوى عنها حال انعقادها ويكون نظرها وفقاً للقواعد العادية([126]).
-تأصيل جرائم الجلسات:
جرائم الجلسات طائفتان: الأولى هى أفعال الإخلال بنظام الجلسة، والثانية هى الأفعال الواقعة على القاضى أو فى حضرته:
1- الإخلال بنظام الجلسة: نصت المادة 243 من قانون الإجراءات الجنائية على أن: "ضبط الجلسة وإدارتها منوطان برئيسها. وله فى سبيل ذلك أن يخرج مـن قاعـة الجلسة من يخل بنظامها فإن لم يمتثل وتمادى، كان للمحكمة أن تحكم علـى الفـور بحبسه أربعاً وعشرين ساعة أو بتغريمه عشرة جنيهات ويكون حكمها بذلك غير جائز استئنافه، فإذا كان الإخلال قـد وقـع ممن يـؤدى وظيفة فـى المحكمة كان لها أن توقـع عليه أثناء انعقاد الجلسة مـا لرئيس المصلحة توقيعه من الجزاءات التأديبية. وللمحكمة إلى ما قبل انتهاء الجلسة أن ترجع عن الحكم الذى تصدره"([127]). ويطابق هذا النص نص المادة 104 من قانون المرافعات وهو ما يعنى سريان حكم جريمة الإخلال بنظام الجلسة على كافة جلسات المحاكم سواء أكانت مدنية أو إدارية أو جنائية.
والمقصود بالأفعال التى تخل بنظام الجلسة أفعال التشويش أو الصياح أو التصفيق أو التفوه بعبارات الاستحسان أو عدم الموافقة أو أفعال تدل على الاعتراض أو الاستمرار فى مقاطعة الشهود واعتراضهم وعدم الامتثال لأوامر المحكمة بالهدوء وعدم المقاطعة. وقد تكون هذه الأفعال لا تعبر عن جسامة أو خطورة إجرامية، غير أن ارتكابها بمجلس القضاء يسبغ عليها أهمية تبرر الجزاءات التى نص الشارع عليها.
وهناك ترتيب إجرائى نص الشارع عليه فى هذه الجرائم: هو أن يأمر رئيس المحكمة المتهم بالخروج من الجلسة، وهنا القرار يصدر من رئيس المحكمة بمفرده، ولا يحمل معنى العقوبة، إذ لا يعدو أن يكون تدبيراً إدارياً. غير أن المتهم رغم صدور هذا القرار فإنه لم "يمتثل له وتمادى" فى فعله، وهو ما يعنى عدم انصياعه للأمر بالطرد أو استمراره فى أفعال التشويش. وقد أجاز الشارع فى هذه الحالة الحكم على المتهم بالحبس مدة أربع وعشرين ساعة أو بالغرامة عشرة جنيهات. ويلاحظ من ناحية إن ما يصدر من المحكمة هو حكم قضائى، ولذلك لابد من صدوره من أعضاء المحكمة مجتمعين، وليس من رئيسها على سبيل الانفراد، بخلاف الأمر بالطرد إذ يصدر من الرئيس فحسب باعتباره أمراً إدارياً.
ومن ناحية ثانية، فإن الشارع لم يجعل من اللازم سماع أقوال النيابة العامة؛ بل إنه لم يستوجب سماع أقوال المتهم، وقد يقال أن علة ذلك أن الفعل قد شاهده القاضى بنفسه، فضلاً عن أن التمادى فيه من الخروج على هيبة القضاء ونظام الجلسة. غير أنه إذا أراد المتهم أن يبدى دفاعاً فعلى المحكمة أن تمكنه من ذلك، وإلا كان حكمها مشوباً بعيب الإخلال بالحق فى الدفاع. وهذه الجريمة يمكن أن ترتكب من أى شخص، فيجوز أن ترتكب من شخص كان حاضراً بالجلسة ولم يكن له صفة أو صلة بالدعوى المنظورة، كما يمكن أن ترتكب من أحد الخصوم فيها كالمتهم أو المدعى بالحق المدنى أو المسئول عن الحقوق المدنية، ومن الجائز أن ترتكب من أحد العاملين فيها، بل من المتصور أن ترتكب من عضو النيابة العامة الحاضر بالجلسة. وإذا كان مرتكبها هو عضو النيابة الحاضر فى الجلسة، فإن المحكمة لا تملك إخراجه أو حبسه، إذ أن وجوده بالجلسة ضرورى لصحة تشكيل المحكمة، وفى هذه الحالة يكون على رئيس المحكمة أن يحرر محضراً بما وقع من عضو النيابة يرسله إلى النائب العام، وأن يأمر برفع الجلسة. وإذا وقع الإخلال من أحد العاملين بالمحكمة كأمين السر أو الحاجب، جاز للمحكمة بالإضافة إلى التدابير التى خولها لها الشارع أن تأمر بمجازاته إدارياً بالجزاءات التى لرئيس المحكمة الابتدائية توقيعها عليهم، كما يجوز أن يطلب إحالتهم إلى مجلس تأديب العاملين بعد التحقيق معهم. ولهذه الجريمة طبيعة خاصة، وهى فى تقديرنا تعد جنحة، لا مخالفة، غير أن الشارع قد جعل الحكم الصادر فيها نهائياً لا يقبل استئنافاً. كما أجاز للمحكمة الرجوع عما أصدرته من حكم حتى نهاية الجلسة، ولا يصبح الحكم نهائياً بذلك إلا بانتهاء هذه الجلسة. وعلة ذلك أن الحكم الذى يصدر أراد الشارع له أن يكون له طابع تهديدى، فإن حقق الهدوء وانتظم سير الجلسة، فقد ترى المحكمة أن ما جرى من إجراءات كان كافياً، وفى هذه الحالة قد تقرر العودة فى هذا الحكم. وأخيراً فإن سبق الحكم على المتهم من أجل جريمة الإخلال بنظام المحكمة لا يحول دون تحريك الدعوى الجنائية عن الجرائم التى يتضمنها هذا الإخلال، فإذا انطوى الإخلال على سب وقذف أو إهانة للمحكمة، فإنه يجوز للنيابة العامة أن تحرك الدعوى الجنائية عن هذه الجرائم ولو كان المتهم قد سبق الحكم عليه بجريمة الإخلال بنظام الجلسة، بل ويجوز تحريكها حتى ولو لم تكن المحكمة قد أثبتت العبارات المكونة لهذه الجرائم بمحضر الجلسة، وعلة ذلك أن هذه الجرائم متميزة بعناصرها عن جريمة الإخلال بنظام الجلسة([128]).
2- الجرائم المرتكبة فى جلسات المحاكم الجنائية:
نصت المادة 244 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: "إذا وقعت جنحة أو مخالفة فى الجلسة، يجوز للمحكمة أن تقيم الدعـوى على المتهم فى الحال، وتحكم فيها بعد سماع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم. ولا يتوقف رفع الدعوى فى هـذه الحالة علـى شـكوى أو طلب، إذا كانت الجريمة من الجرائم المنصوص عليها فى المواد 3 ، 8 ، 9 من هذا القانون. أما إذا وقعت جناية، يصدر رئيس المحكمة أمراً بإحالة المتهم إلى النيابة العامة بدون إخلال بحكم المادة 13 من هذا القانون. وفى جميع الأحوال يحرر رئيس المحكمة محضراً ويأمر بالقبض على المتهم إذا اقتضى الحال ذلك". وقد خرج الشارع بذلك على القاعدة المقررة بالفصل بين الاتهام والمحاكمة، فأجاز أن تقوم المحكمة الجنائية التى ارتكبت الجريمة أثناء انعقاد جلستها بإقامة الدعوى الجنائية والحكم على المتهم فوراً، وذلك خلافاً لخطة أغلب التشريعات المقارنة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن مشروع قانون الإجراءات الجنائية لسنة 2024 قد أعاد النص على المادة 244 سالفة الذكر بنفس العبارات والصياغة (تقابلها المادة 241 من المشروع).
ونصت المادة 246 إجراءات على أن: "الجرائم التى تقع في الجلسة ولم تقم المحكمة الدعوى فيها حال انعقادها يكون نظرها وفقاً للقواعد العادية".
فالمحكمة إن لم ترد إقامة الدعوى الجنائية عن الجنحة أو المخالفة التى وقعت أثناء انعقاد الجلسة أو تراخى اكتشافها إلى ما بعد انعقاد الجلسة، فإنه لا يجوز في هذه الحالة أن تقضى فيها، ويكون تحريكها وفقاً للقواعد العامة.
وإذا رأت المحكمة محاكمة المتهم فى الحال، فإن هذه المحاكمة تنطوى على استثناء على قواعد الاختصاص المكانى، ذلك أن هذه المحكمة قد لا تكون هى المحكمة التى يتبعها المكان المنعقد فيه جلسة المحاكمة. وهذا الخروج على قواعد الاختصاص تبرره اعتبارات الضرورة. أما إذا قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى النيابة العامة، فإن قواعد الاختصاص العادية ستكون هى واجبة الاتباع.
-سلطة المحكمة فى حال ارتكاب جريمة الجلسات:
سبق ذكر أن نطاق تطبيق القواعد الخاصة بجرائم الجلسات يفترض أن ما ارتكب فى جلسة المحاكمة هو جنحة أو مخالفة، أما إذا ارتكبت جناية، فلا يكون للمحكمة فى هذه الحالة أن تأمر بإقامة الدعوى الجنائية على المتهم فى الحال، وإنما يقوم رئيس الجلسة يأمر بتحرير محضر بما وقع ويرسله إلى النيابة العامة، والتى تلتزم بالتحقيق فيما ورد به، غير أنه يكون لها حرية التصرف فى الأوراق بعد ذلك، فيجوز لها أن تأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لأى سبب من الأسباب.
والقبض على المتهم فى هذه الجرائم ليس وجوبياً، إذ أن الشارع قد نص في المادة 244 سالفة الذكر على أن يأمر رئيس المحكمة بالقبض على المتهم إذا اقتضى الحال، ويتحقق ذلك فى الحالات التى تتصف بالجسامة واحتمال هرب المتهم أو تشويهه للأدلة فى الدعوى. وتصرف المحكمة فى الجرائم التى تشكل جنحة أو مخالفة والتى تقع فى حضورها لا يعدو أحد فرضين: الأول أن تقرر إقامة الدعوى على المتهم، والثانى ألا تقرر ذلك.
وفى الفرض الأول فإنه إذا وقعت جريمة فى حضور المحكمة أو عليها، فإنه يجوز لها أن تحكم على المتهم، سواء فى الحال أو أن يصدر الحكم فى جلسة تالية. ولكن يشترط لصحة الحكم أن تستمع المحكمة فى هذه الحالة لأقوال المتهم والنيابة العامة، وإلا شكل ذلك إخلالاً جسيماً بحق الدفاع. وخاصة وأن الشارع قد خرج فى هذه الجرائم عن قاعدة الفصل بين السلطة المختصة بالاتهام والحكم، فكان الاستماع لدفاع المتهم وأقوال النيابة العامة فى هذه الدعاوى أمراً مهماً.
-جرائم إهانة والتعدى على القضاء: تعتبر جرائم الإهانة والتعدى على القضاة بالقول أو الفعل أو الإشارة داخلة في مدلول جرائم الجلسات، فهى تعتبر من الجنح في نظر قانون العقوبات المصرى (المادة 133 في فقرتها الثانية).
ويلاحظ أن جريمة إهانة المحكمة تتحقق ولو لم يكن الاعتداء موجهاً لشخص القاضى، بل يكفى أن يكون اعتداء بين خصم وآخر ولكنه وقع أثناء انعقاد الجلسة. وتطبيقاً لذلك قضى بتوافر جريمة الإهانة من قيام شقيق المتهم بدفع شقيق المجنى عليها بيده ونهره بصوت مرتفع أثناء انعقاد الجلسة، فيجوز للمحكمة فى هذه الحالة أن تحرك الدعوى الجنائية على المتهم بعد سماع أقواله وأقوال النيابة العامة وأن تحكم عليه فى الحال([129]). وفى هذه الحالة لا تتقيد المحكمة بالقيود التى نص عليها الشارع لتحريك الدعوى الجنائية فى بعض الجرائم وهى قيود الشكوى والإذن والطلب. وعلة ذلك أن الجريمة فى هذه الحالة قد تعدت دائرة المساس بشخص أو بجهة إلى النيل من هيبة القضاء، ومن ثم جاز تحريك الدعوى والحكم فيها دون نظر لما يتطلبه الشارع من ارتفاع القيد قبل تحريكها. كما أن هذه القيود فى حقيقتها ترد على سلطة النيابة العامة فى تحريك الدعوى الجنائية؛ بينما الذى يحرك الدعوى الجنائية فى هذه الحالة هو المحكمة التى وقعت الجريمة فى حضورها. وتطبيقاً لذلك فإنه إذا ارتكبت فى الجلسة جريمة قذف أو سب بين زوج وزوجة جاز للمحكمة أن تحكم على المتهم دون انتظار لتقديم شكوى، وكذلك الشأن إذا ارتكب أحد أعضاء مجلس النواب أو الشيوخ الجريمة فى الجلسة جاز محاكمته فوراً دون انتظار لصدور الإذن بتحريك الدعوى الجنائية.
والفرض الثانى ألا ترى المحكمة إقامة الدعوى الجنائية على المتهم فى الحال، ففى هذه الحالة يقوم رئيس المحكمة بتحرير مذكرة بالواقعة المرتكبة ويرسلها إلى النيابة العامة.
وتختص المحكمة بنظر هذه الجريمة والحكم فيها حتى ولو خرجت عن قواعد الاختصاص المكانى، كما لو كانت الجريمة المرتكبة جنحة تختص بها محكمة الجنايات استثناء.
وإذا اختصت المحكمة بإقامة الدعوى والحكم فيها، فليس بشرط أن يكون ذلك في نفس الجلسة، فقد تبدأ المحكمة في نظر الدعوى الناشئة عن جريمة الجلسات، ثم تؤجلها إلى جلسة أو جلسات أخرى، إلى أن يصدر فيها الحكم ([130]).
-إقامة الدعوى أم تحريكها:
يثور التساؤل عن المقصود "بإقامة" الدعوى الجنائية، وهل هناك اختلاف بينها وبين "تحريكها"، وأيهما الأصح؟. استخدم الشارع المصرى عند نصه على التصدي وجرائم الجلسات تعبير "إقامة الدعوى الجنائية"، فالمادة 244 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على سبيل المثال على أنه "إذا وقعت جنحة أو مخالفة في الجلسة، يجوز للمحكمة أن تقيم الدعوى على المتهم في الحال ....". غير أن الفقه في أغلبه، والعديد من أحكام القضاء يستخدمان تعبير "تحريك الدعوى الجنائية"، فهل يترادف التعبيران، أم أن هناك اختلافاً بينهما؟([131]).
في الحقيقة فإن الشارع كان دقيقاً "- في نصه على التصدي- عندما استخدم تعبير "إقامة الدعوى"، ولم يستخدم تعبير "تحريكها، فهناك فروق مهمة بين التعبيرين: ففي نظر القانون المقارن، فإن تعبير "إقامة الدعوى" أو "رفعها" يعنى "توافر اتهام بجريمة معينة يستند إلى دلائل كافية، مستمدة من وقائع محددة، أفصحت عنها أوراق الدعوى، وتستوجب اتخاذ إجراءات لاحقة للتحقق منها"([132]). أما تعبير "تحريك الدعوى الجنائية" فهو يختلف عن إقامة الدعوى، ذلك أنه يعد هو الإجراء الأول فيها، والذى ينقلها من حالة السكون إلى الحركة؛ غير أنه لا يرادف تعبير إقامة الدعوى، الذى يعنى اتخاذ إجراءات التحريك وغيرها. فلا يكفى مجرد تحريك الدعوى الجنائية، بل يجب أن تتحقق المحكمة من أن هناك من الدلائل الكافية على شخص معين بأنه ارتكب عملاً يشكل جريمة محددة في نظر القانون. وإذا تحققت المحكمة من ذلك، جاز لها رفع الدعوى. وإذا كان من الجائز أن يتوافر إقامة الدعوى وتحريكها معاً؛ إلا أنه من الجائز أيضاً أن يتوافر أحدهما دون الآخر: فقد يسبق إقامة الدعوى تحريكها، إذ قد تتحرك أولاً، ثم يجرى إقامتها؛ ولكن العكس ليس صحيحاً، فكل إقامة للدعوى لم يسبقها تحريك لها ينطوى بطريق اللزوم على تحريك لها. والحقيقة أن الشارع المصرى كان دقيقاً بنصه على تعبير "إقامة" الدعوى، والذى كما سبق القول يتطلب توافر دلائل كافية على اتهام شخص محدد، ووجود وقائع معينة لها معين من الأوراق، ووجود صلة تربط هذا الشخص بهذه الوقائع، ومستوى معين من الأدلة يجعل من إقامة الدعوى في هذه الحالة جائزاً. وهذه الضوابط جميعاً لا تتوافر بمجرد تحريك الدعوى، فالشارع يتطلب في التصدي ضوابط تجعل من المقبول إجراء تحقيق في الواقعة، ولا شك في أن هذه الضوابط تحفظ التوازن بين السلطة والحرية؛ أما التحريك فهو لا يتضمن هذه المعانى، إذ يقف عند حد كونه الإجراء الأول في الدعوى فحسب
-جواز لجوء محكمة الجنايات إلى تطبيق قواعد التصدي على جرائم الجلسات: وإذا توافرت شروط التصدى كأن تكون الجريمة سواء أكانت جناية أو جنحة ارتكبت أثناء انعقاد جلسة محكمة الجنايات واستوفت باقى الشروط التى نص عليها الشارع، فإنه يجوز للمحكمة فى هذه الحالة عملاً بسلطتها المقررة فى التصدى أن تقوم بإقامة الدعوى الجنائية على المتهم ولها أن تندب أحد أعضائها للتحقيق فيها طبقاً للقواعد العامة فى التصدى.
وقد تفضل محكمة الجنايات أن تستعمل حقها في التصدى بدلاً من حقها المخول في جرائم الجلسات، ذلك أن حق المحكمة فى إقامة الدعوى الجنائية في هذه الأخيرة مشروط بوقوع الجنحة أو المخالفة بالجلسة وقت انعقادها، وبأن تبادر المحكمة الى إقامة الدعوى فى الحال فور اكتشافها. وإذا لم تشكل الجريمة المرتبكة جريمة من جرائم الجلسات بالمعنى الدقيق، كأن تكون قد وقعت خارج النطاق الزمنى أو المكانى للجلسة، ففى هذه الحالة يجب أن نفرق بين محكمة الجنايات من جهة، وبين محكمة الجنح من جهة أخرى: فجميع المحاكم تملك الحق في إقامة الدعوى الجنائية والحكم فيها في جرائم الجلسات، إذا كانت هذه الجريمة جنحة أو مخالفة؛ غير أن الحق في التصدى لا يتوافر إلا لمحكمة الجنايات فحسب. فإذا وقعت جريمة تشكل جنحة بمحكمة الجنح؛ ولكنها ارتكبت بعد رفع الجلسة، فإنه في هذه الحالة لا يكون لهذه المحكمة الحق التصدى، إذ أنه مقصور على محكمة الجنايات. وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأنه "إذا تراخى اكتشاف الواقعة إلى ما بعد الجلسة التى نظرتها محكمة الجنح المستأنف؛ فإن نظرها يكون وفقاً للقواعد العادية ولا تملك المحكمة حق تحريكها من تلقاء نفسها، وأنه لما كان الأصل هو أن النيابة العامة هى صاحبة الدعوى الجنائية، وهى التى تملك تحريكها ومباشرتها، وكان ما خوله الشارع للمحاكم لاعتبارات قدرها من حق تحريك الدعوى الجنائية بالنسبة لجرائم الجلسة هو أمر استثنائى؛ فإنه ينبغى عدم التوسع فى تفسيره وقصره على أضيق نطاق"([133]). وكانت الواقعة موضوع هذا الحكم محكمة الجنح المستأنفة بعد أن نظرت قضية بعض المتهمين قد أمرت أفراد الحراسة بالتحفظ عليهم لحين النطق بالحكم؛ غير أنهم غافلوا الحراس ولاذوا بالفرار بعد انتهاء الجلسة ومغادرة هيئة المحكمة قاعتها الى غرفة المداولة، فلما تبين للمحكمة فرار المتهمين، قامت بإقامة الدعوى الجنائية على أفراد الحراسة بتهمة التسبب بالإهمال في هرب المقبوض عليهم، وقضت بإدانتهم والحكم عليهم بالحبس. غير أن محكمة النقض قضت بإلغاء الحكم تأسيساً على أن الجلسة بمعناها الصحيح لا تكون إلا فى خلال الوقت المعين لنظر القضايا أو المسائل المعروضة على هيئة المحكمة وفى المكان المعد خصيصاً لهذا الغرض. وأن انتهاء انعقاد الجلسة المحددة لنظر كل قضية هو عند قفل باب المرافعة فيها، وتنتفى ولاية المحكمة من الوقت الذى اعتبرت المرافعة فيه منتهية في الفصل فى الجرائم التى وقعت أمامها فى الجلسة، ولم تقم الدعوى عنها حال انعقادها، ويكون نظرها وفقا للقواعد العادية([134]).
ولكن على الرغم من ذلك فإن محكمة الجنايات قد تلجأ إلى قواعد التصدي بدلاً من استعمالها سلطتها المقررة في جرائم الجلسات، وذلك في حالتين: الأولى أن تشكل الجريمة المرتكبة فى الجلسة جناية وتؤثر في الاحترام الواجب للمحكمة المنصوص عليا في المادة 13 إجراءات، ففي هذه الحالة لم يخول الشارع للمحكمة سلطة الفصل في الجناية المرتكبة في الجلسة. ذلك أن نطاق تطبيق القواعد الخاصة بجرائم الجلسات يفترض أن ما ارتكب فى جلسة المحاكمة هو جنحة أو مخالفة؛ أما إذا ارتكبت جناية، فلا يكون للمحكمة فى هذه الحالة أن تأمر بإقامة الدعوى الجنائية على المتهم فى الحال، بخلاف الجرائم الأولى. وإذا شكلت الواقعة المرتكبة جناية، فإن رئيس الجلسة يأمر بتحرير محضر بما وقع ويرسله إلى النيابة العامة، والتى تلتزم بالتحقيق فيما ورد به، غير أنه يكون لها حرية التصرف فى الأوراق بعد ذلك، فيجوز لها أن تأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لأى سبب من الأسباب. والحالة الثانية تتوافر إذا كانت الجريمة التي ارتكبت أثناء انعقاد جلسة محكمة الجنايات جنحة أو مخالفة، كأن يقدم أحد الخصوم أصل مستند عرفى سبق تقديمه في التحقيقات ويتبين للمحكمة تزويره، فإنه يجوز للمحكمة فى هذه الحالة عملاً بسلطتها المقررة فى التصدى أن تقوم بإقامة الدعوى الجنائية على المتهم، ولها أن تندب أحد أعضائها للتحقيق فيها طبقاً للقواعد العامة فى التصدي، وذلك بدلاً من أن تعمل القواعد المقررة لجرائم الجلسات. وهى تتمتع في ذلك بسلطة تقديرية، فقد تفضل ألا تحكم على المتهم الذى ارتكب جريمة بالجلسة، فتقتصر على إقامة الدعوى، سواء بإحالتها إلى النيابة أو ندب أحد قضاتها للتحقيق فيها، وفى هذه الحالة لا يجوز لها أن تقضى فيها.
-سلطة المحكمة التقديرية فى الاقتصار على استعمال حق التصدى فى جرائم الجلسات: تشترك جرائم التأثير على هيبة المحكمة والاحترام المقرر لها والتى يجوز لمحكمة الجنايات التصدى فيها وإقامة الدعوى، مع جرائم الجلسات فى أنها تنطوى على مساس بهيبة المحكمة. غير أن جرائم الجلسات أضيق نطاقاً من حالات التصدى، إذ أنها مقيدة بنطاق زمني محدد فى وقت انعقاد الجلسة، كما أنها مقيدة بنطاق آخر مكانى مستمد من مكان وقوع الجريمة، إذ يجب أن ترتكب فى جلسة المحاكمة، ولابد أن تكون الجريمة مشكلة لجنحة أو مخالفة. وفى ذلك تختلف عن أفعال الإخلال بأوامر المحكمة أو بالاحترام الواجب لها أو التأثير فى قضائها أو فى الشهود، ذلك أنها غير مقيدة بنطاق مكانى فيجوز أن ترتكب فى داخل قاعة الجلسة أو خارجها، كما أنها غير مقيدة بزمن انعقاد الجلسة، بل تمتد إلى الفترة التى تظل فيها الدعوى منظورة أمام المحكمة، كما أنها تشمل أى جريمة. واستناداً إلى هذا التمييز بين هذه الحالة من حالات التصدى وجرائم الجلسات، فإن محكمتى الجنايات والنقض لا تحتاجان إلى استعمال الحق فى التصدى إلا فى حالة وقوع الجريمة خارج الجلسة، أما إذا وقعت الجريمة داخلها، فإن حق المحاكم إزاء جرائم الجلسات المقرر بالمادة 244 من قانون الإجراءات الجنائية يغنيها عن الالتجاء إلى نص المادة 13 الذي يقرر الحق فى التصدى ([135]).
ثانياً: القواعد الخاصة في إقامة الدعوى في جرائم الجلسات
تمهيد: هناك بعض القواعد الخاصة تتعلق بجريمة الشهادة الزور، وبالأفعال المخلة بنظام الجلسة والصادرة من محام بسبب تأدية مهنته، وكذلك الجرائم المرتكبة أثناء انعقاد جلسات المحاكم المدنية. وفيما يلى نبين ما تتميز هذه الحالات من خصوصية.
-توجيه تهمة الشهادة الزور والمحاكمة عنها:
سبق أن ذكرنا أن القضاء المصرى قد اعتبر من قبيل جرائم الجلسات جريمة الشهادة الزور التى ترتكب بقيام الشاهد بالإدلاء بشهادته الكاذبة أمام المحكمة. والحقيقة أن ما ذهب إليه القضاء والفقه هو تفسير متسع لما نصت عليه المادة 244 من قانون الإجراءات الجنائية سالفة الذكر، ولا يوجد نص يضع قواعد محددة في شأن جريمة الشهادة الزور.
إذا رأت المحكمة أن تحاكم الشاهد أمامها على ارتكابه جريمة الشهادة الزور حال انعقاد الجلسة؛ فإنه يجب عليها أن توجه إليه تهمة شهادة الزور أثناء المحاكمة، ولكنها لا تتعجل فى الحكم عليه، بل تنتظر حتى تنتهى المرافعة الأصلية، وليست علة ذلك أن الجريمة لم تتوافر قبل انتهاء المرافعة، إذ هى تحققت بمجرد إبداء الشهادة المزورة؛ ولكن الشارع رأى فى سبيل تحقيق العدالة على الوجه الأكمل أن يفتح أمام الشاهد المجال ليقرر الحق حتى آخر لحظة، فشهادته يجب أن تعتبر فى جميع أدوار المحاكمة كلاً لا يقبل التجزئة، وهى لا تتم إلا بإقفال باب المرافعة، فإذا عدل عنها اعتبرت أقواله الأولى كأن لم تكن([136]). وإذا تبين للمحكمة ارتكاب جريمة الشهادة الزور، ولم توجه للشاهد التهمة أثناء انعقاد الجلسة، فإنه لا يجوز لها أن تقيم الدعوى عليه؛ لأنه بانتهاء المرافعة تصبح المحكمة لا ولاية لها في الحكم في الجرائم التى وقعت أمامها بالجلسة، ويكون تحريكها والحكم فيها وفقاً للقواعد العامة.
-صعوبة تقدير توافر جريمة الشهادة الزور:
أجملت محكمة النقض في حكم لها ما قد يعترى جريمة الشهادة الزور من دقة وصعوبة، ذلك أن ليس كل تناقض أو اختلاف في الأقوال يعتبر من قبيل الشهادة الزور. فتقول المحكمة: " الأصل أنه لا يصح تكذيب الشاهد في إحدى رواياته اعتماداً على رواية أخرى له دون قيام دليل يؤيد ذلك، لأن كلتا الروايتين مصدرهما واحد له اعتبار ذاتي واحد، ولأن ما يقوله الشخص الواحد كذباً في حالة، وما يقرره صدقاً في حالة أخرى؛ إنما يرجع إلى ما تنفعل به نفسه من العوامل التي تلابسه في كل حالة، مما يتحتم معه أن لا يؤخذ برواية له دون أخرى صدرت عنه بناء على ظروف يترجح معها صدقه في تلك الرواية دون الأخرى. وإذ كان مثول الشاهد أمام هيئة المحكمة في جلسة المحاكمة بين رهبة الموقف وجلاله وقدسية المكان محوطاً بالضمانات العديدة المعلومة التي وضعها القانون للحصول منه على الحقيقة الخالصة، ذلك فيه ما من شأنه أن يشعر بعظم مسئوليته فيما يدلى به في آخر فرصة تسمع فيها أقواله، مما يصح معه في العقل أن يفترض أنه وهو في هذه الحالة يكون أدنى إلى أن تغلب عليه النزعة إلى الحق فيوثره ولا يتمادى في الحنث بيمينه إذ كان قد حلفها من قبل - إذ كان ذلك كذلك فإن اعتبار روايته الأولى - عند اختلاف روايته هي الصحيحة لا لشيء إلا لكونها هي الأولى لا يكون له ما يقتضيه بل لعل شهادته أمام المحكمة تكون هي الأولى بهذا الاعتبار، وإذن فإن إدانة الشاهد في جريمة شهادة الزور لمجرد أن روايته أمام المحكمة قد خالفت ما قاله في التحقيقات الأولية لا تكون مقامة على أساس صحيح من شأنه في حد ذاته أن يؤدي إليها ، وخصوصاً أنه يجب في سبيل تحقيق العدالة على الوجه الأكمل أن يفسح أمام الشاهد المجال ليقرر الحق وألا يعتد بأقواله الأولى التي سبق إبداؤها في التحقيقات إلى حد تعريضه للعقوبة الجنائية إذ هو عدل عنها وذلك حتى لا ينغلق في وجهه الباب إذا ما عاوده ضميره إلى الرجوع إلى الحق والإقلاع عما كان عليه من باطل، الأمر الذي راعاه القانون نفسه إذ لم يعاقب على شهادة الزور إذا عدل الشاهد عن الباطل وقرر الحق في أية مرحلة كانت عليها الدعوى حتى تمام نظرها أمام المحكمة([137]).
-تقدير وجهة الشارع في إقامة الدعوى عن جريمة الشهادة الزور والحكم فيها من نفس المحكمة التي سمعت هذه الشهادة:
فى تقديرنا إن تخويل محكمة الموضوع الحق في إقامة الدعوى عن جريمة الشهادة الزور المرتكبة أمامها والحكم فيها ينطوى على مساس جسيم بمبدأ الفصل بين سلطتى الاتهام والحكم، وهو ما يخل بأصول المحاكمات الجنائية وقد يؤدى إلى التحيز وعدم الموضوعية. ومن جهة أخرى فإن تخويل محكمة الموضوع سلطة الحكم على الشاهد في هذه الحالة قد ينطوى على تهديد له إذا أراد أن يغير أقواله، وهو حق له. والاكتفاء بتغيير الشاهد أقواله لا يكشف في حد ذاته عن أنه شهد زوراً، فقد تكون الأقوال الأولى التي أدلى بها هي غير الصحيحة، فلما أراد أن يعود أدراجه، هددته المحكمة بتهمة الشهادة الزور. وقد يرغب المجنى عليه الذى تصالح مع المتهم في جريمة، ولكن لا يقر القانون التصالح فيها، كأن تكون ضرباً أفضى إلى عاهة مستديمة، وقد تكون هناك صلة قرابة تربط الجانى والمجنى عليه، فيريد المجنى عليه أن يعدل عن أقواله، فتقوم المحكمة بتوجيه تهمة الشهادة الزور له بالجلسة.
وفي تقديرنا كذلك، فإن العدالة تأبى أن يدلى الشاهد بأقواله بعد توجيه هذه التهمة له من المحكمة، فأى شهادة هذه، وأى شاهد هذا؟، والحقيقة أن تخويل المحكمة هذا الحق يفتح الباب أمام الإخلال بمبدأ الحياد الواجب توافره في القاضي، الذى بتوجيهه هذه التهمة قد صار طرفاً في الدعوى، وعبر عن عقيدته، وأفصح عن مكنون سره، وهو لا يصلح من بعد للحكم في الدعوى. وهذه الاعتبارات قد دعت التشريعات المقارنة إلى عدم تخويل قاضى الموضوع الحق في إقامة التهمة والحكم على الشهادة الزور. وفى تقديرنا أن القانون المصرى يحتاج إلى تعديل مهم في ذلك والتي تخالف خطته في ذلك نصوص التشريعات المقارنة.
2- الجرائم المرتكبة فى جلسات المحاكم المدنية والتجارية:
إذا وقعت جريمة أثناء انعقاد المحكمة المدنية يأمر رئيس الجلسة بكتابة محضر بما وقع بالجلسة وبما يرى اتخاذه من إجراءات التحقيق ثم يأمر بإحالة الأوراق إلى النيابة لإجراء ما يلزم فيها. فإذا كانت الجريمة التى وقعت جناية أو جنحة كان له إذا اقتضت الحال أن يأمر بالقبض على من وقعت منه. ولكن يستثنى من هذا القبض الجرائم التى يرتكبها المحامى أثناء الجلسة (م 106 من قانون المرافعات). وللمحكمة أن تحاكم من تقع منه أثناء انعقادها جنحة تعد على هيئتها أو على أحد أعضائها أو أحد العاملين بالمحكمة وتحكم عليه فورا بالعقوبة. ويجب أن يراعى ما نص عليه قانون المحاماة فى حال أن كان مرتكب هذه الجريمة محام أثناء تأدية عمله بالجلسة. وللمحكمة أيضا أن تحاكم من شهد زورا بالجلسة وتحكم عليه بالعقوبة المقررة لشهادة الزور. ويكون حكم المحكمة فى هذه الأحوال نافذا ولو حصل استئنافه(المادة 107 من قانون المرافعات).
وقد أقام الشارع بذلك تفرقة بين جلسات المحاكم الجنائية من جهة، والمحاكم المدنية من جهة أخرى: فالأولى تختص بإقامة الدعوى الجنائية والحكم على مرتكب أى جنحة أو مخالفة ارتكبت أثناء انعقادها؛ أما المحاكم المدنية، فلا تحكم إلا إذا وقعت الجنحة على هيئة المحكمة أو أحد أعضائها أو أحد العاملين بالمحكمة. كما تختص كذلك بالحكم على من شهد زوراً بالجلسة أمامها. ويعنى ذلك أنه إذا وقعت جناية أو جريمة أخرى من جرائم الجلسات، فلا يكون لرئيس المحكمة المدنية سوى أن يأمر بتحرير محضر بما جرى من وقائع، وله أن يأمر بالقبض على المتهم واقتياده بالقوة إلى النيابة العامة.
وفى هذه الأحوال التى أجاز فيها الشارع للمحكمة المدنية الحكم في الدعوى الناشئة عن الجرائم التى وقعت بالجلسة، فإنها تقوم بتحريك الدعوى الجنائية وإقامتها والحكم فيها([138]). ويتسع معنى المحكمة المدنية ليشمل الدوائر التجارية والمنازعات الضريبية والأسرة وغيرها.
-تقدير خطة الشارع:
في تقديرنا أن خطة الشارع في تخويل المحاكم المدنية حق إقامة الدعوى الجنائية في جرائم المساس بها أو بأحد موظفيها أو العاملين بها هى خطة محل نظر من عدة أوجه: فمن ناحية فإن المحكمة قد جمعت بين الاتهام والحكم وهو أمر ينال من أصول المحاكمات الجنائية. ومن ناخية ثانية، فإن المحكمة بوقوع الجريمة عليها، صارت خصماً في الدعوى، ولا يمكن أن يخول المجنى عليه حق عقاب الجانى. ومن ناحية ثالثة، فإن المحكمة المدنية ربما تفتقر إلى الخبرة اللازمة في التحقيق الجنائى ومراعاة حقوق الدفاع والمواءمة والتقدير التى يلزم توافرها في القاضى الجنائى. وأخيراً، فإن هناك مفارقة بين الجلسات الجنائية والمدنية، ففى الأولى يجب أخذ أقوال النيابة العامة والمتهم إذا وقعت الجريمة، أما نص المادة 106 من قانون 107 من قانون المرافعات، فلا يستوجب ذلك، بل إن النيابة العامة قد لا تكون ممثلة أصلاً في الكثير من الدوائر المدنية.
وفى تقديرنا أن تخويل المحاكم المدنية حق إقامة الدعوى الجنائية والحكم فيها على الشاهد الذى ثبت زور شهادته أمامها، هى خطة تشريعية غير صائبة، وقد سبق أن كافة التشريعات المقارنة لم تمنح المحاكم الجنائية الحق في إقامة الدعوى الجنائية والحكم فيها على من شهد زوراً أمامها، فن باب أولى ألا تخول المحاكم المدنية هذا الحق.
3- جرائم المحامين المرتكبة بالجلسة في الدستور والقانون:
نصت المادة 198 من دستور سنة 2014 على أن: "المحاماة مهنة حرة، ...ويتمتع المحامون جميعاً أثناء تأديتهم حق الدفاع أمام المحاكم بالضمانات والحماية التى تقررت لهم في القانون مع سريانها عليهم أمام جهات التحقيق والاستدلال. ويحظر في غير حالات التلبس القبض على المحامى أو احتجازه أثناء مباشرته حق الدفاع، وذلك كله على النحو الذى يحدده القانون". وقد نص الشارع في المادة 245 من قانون الإجراءات الجنائية قانون الإجراءات الجنائية على أنه: "إذا وقع من المحامى أثناء قيامه بواجبه فى الجلسة وبسببه ما يجوز اعتباره تشويشاً مخلا بالنظام أو ما يستدعى مؤاخذته جنائياً، يحرر رئيس الجلسة محضرا بما حدث. وللمحكمة أن تقرر إحالة المحامى إلى النيابة العامة لإجراء التحقيق إذا كان ما وقـع منه يستدعـى مؤاخذته جنائياً، وإلى رئيس المحكمة إذا كان ما وقع منه يستدعى مؤاخذته تأديبياً. وفى الحالتين لا يجوز أن يكون رئيس الجلسة التى وقع فيها الحادث أو أحد أعضائها عضوا فى الهيئة التى تنظر الدعوى". والإجراءات التى تتبع فى حالة ارتكاب الجرائم التى من المحامين بالجلسة هى استثناء من القواعد التى تطبق فى حالة جرائم الجلسات، والتى تجعل من سلطة المحكمة أن تقوم بإقامة الدعوى الجنائية والحكم فيها فوراً.
وقد نصت المادة 49 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 على أنه "استثناء من الأحكام الخاصة بنظام الجلسات والجرائم التى تقع فيها المنصوص عليها فى قانون المرافعات والإجراءات الجنائية، إذا وقع من المحامى أثناء وجوده بالجلسة لأداء واجبه أو بسببه إخلال بنظام الجلسة أو أى أمر يستدعى محاسبته نقابياً أو جنائياً، يأمر رئيس الجلسة بتحرير مذكرة بما حدث ويحيلها إلى النيابة العامة ويخطر النقابة الفرعية المختصة بذلك".
وتتشابه هذه القواعد تقريباً مع ما نص عليه الشارع بالنسبة للجرائم أو المخالفات التأديبية التى ترتكب من أعضاء هيئة قضايا الدولة بجلسات المحاكمات (الفقرة الثانية من المادة السادسة مكرراً من قانون تنظيم هيئة قضايا الدولة رقم 75 لسنة 1963).
ونصت المادة 50 من قانون المحاماة المعدلة بالقانون 197 لسنة 2008 على أنه: "لا يجوز القبض على محام أو حبسه احتياطياً لما ينسب إليه فى الجرائم المنصوص عليها فى المادة السابقة وجرائم القذف والسب والإهانة بسبب أقوال أو كتابات صدرت منه أثناء أو بسبب ممارسته أى من أعمال المهنة المشار إليها فى هذا القانون، ويحرر فى هذه الحالة مذكرة بما حدث وتحال إلى النيابة العامة وتبلغ صورتها إلى مجلس النقابة، وللنائب العام أن يتخذ الإجراءات إذا كان ما وقع من المحامى يشكل جريمة يعاقب عليها فى قانون العقوبات، أو أن يحيله إلى مجلس النقابة إذا كان ما وقع منه مجرد إخلال بالنظام أو الواجب المهنى وفى هذه الحالة تجرى المحاكمة فى جلسة سرية. ولا يجوز أن يشترك فى نظر الدعوى القاضى أو أحد أعضاء الهيئة التى وقع أمامها الفعل المؤثم". ويلاحظ أن مجال النص السابق قبل تعديله بالقانون رقم 179 لسنة 2008 كان يفترض أن الجريمة الواقعة من المحامى قد ارتكبت أثناء انعقاد جلسة المحاكمة، فإن ارتكبت فى غير الجلسة، أو فى غير زمن انعقادها، فإن الجريمة فى هذه الحالة تخضع للقواعد العامة، ويجوز بالتالى القبض على المحامى وحبسه احتياطياً، إذ يتساوى مع غيره من الأفراد فى هذه الحالة. غير أن تعديل القانون 197 لسنة 2008 سالف الذكر قد وسع في نطاق الحصانة المقررة للمحامى، فلم يعد جائزاً القبض عليه أو حبسه احتياطياً من أجل ارتكابه أحد الأفعال المذكورة في المادة السابقة، حتى ولو كان ارتكابها خارج الجلسة. ووجه التوسع الذى أتى به الشارع بالقانون الأخير أن الأفعال المنسوب إلى المحامى ارتكابها قد اتسع نطاقها، فهى تشمل كافة الأفعال الجنائية التى ارتكبها المحامى أثناء وجوده بالجلسة أثناء تأدية عمله أو بسببه، كما أنها تشمل كذلك أفعال القذف والسب والإهانة بسبب أقوال أو كتابات صدرت منه، والتى لم يعد نطاق ارتكابها الزمنى مقصوراً على الجلسة، بل اتسع إلى خارجها، متى كانت بسبب أداء المحامى لمهنته أو بسببها، ولم تعد السلطة التى تملك التصرف في التهمة المنسوبة إلى المحامى هى المحامى العام أو المحامى العام الأول، بل أصبحت هذه السلطة بموجب التعديل الأخير بيد النائب العام. وقد جعل الشارع جلسة المحاكمة للمحامى سرية خلافاً للقواعد العامة التى توجب علانية الجلسة([139]).
ويلاحظ أن نطاق الجرائم التى لا يجوز القبض على المحامى فيها أو حبسه احتياطياً مقصورة على جرائم الجلسات وجرائم السب والقذف والإهانة بسبب أداء أعمال مهنته أو بسببها، فلا تمتد إلى ما عداها من جرائم، وتطبيقاً لذلك فإن التعدى على قاض أو عضو للنيابة العامة بالضرب أو نحوه لا يدخل فى نطاق الجرائم التى حظر الشارع القبض والحبس الاحتياطى فيها.
-الأفعال المخلة بنظام الجلسة الصادرة من محام في مشروع قانون الإجراءات الجنائية لسنة 2024:
نصت المادة 242 من مشروع سنة 2024 على أن: " ومع عدم الإخلال بحالة التلبس، وبمراعاة أحكام قانون المحاماة، إذا وقع من المحامي أثناء قيامه بواجبه في الجلسة وبسببه ما يجوز اعتباره تشويشاً مخلاً بالنظام أو ما يستدعي مؤاخذته جنائياً يحرر رئيس الجلسة محضراً بما حدث.
وللمحكمة أن تقرر إحالة المحامي إلى النيابة العامة لإجراء التحقيق إذا كان ما وقع منه يستدعي مؤاخذته جنائياً، وإلى رئيس المحكمة إذا كان ما وقع منه يستدعي مؤاخذته تأديبياً.
وفي الحالتين لا يجوز أن يكون رئيس الجلسة التي وقع فيها الحادث أو أحد أعضائها عضواً في الهيئة التي تنظر الدعوى".
ونص المشروع سالف الذكر يكاد يتطابق مع ما تنص عليه المادة 454 من قانون الإجراءات الجنائية، عدا عبارة " ومع عدم الإخلال بحالة التلبس، وبمراعاة أحكام قانون المحاماة" الواردة في الفقرة الأولى منها.
-تقدير ما نص عليه مشروع قانون الإجراءات الجنائية لسنة 2024:
وفى تقديرنا أن نص المشروع ينطوى على تناقض، إذ يحتوى على فكرتين بينهما تعارض، لا يمكن الجمع بينهما. وبيان ذلك أن عبارة ومع عدم الإخلال بحالة التلبس، تتعارض مع العبارة التي تليها وهى "وبمراعاة أحكام قانون المحاماة"، فقانون المحاماة لا يجيز القبض على المحامى الذى يرتكب جريمة بسبب أو أثناء تأدية مهنته، سواء أكانت هذه الجريمة داخل الجلسة أم خارجها. فنص المشروع في عبارة واحدة قد أورد حكمين مختلفين متعارضين لمسألة واحدة: فالشطر الأول من العبارة التي نص عليها المشروع يعنى أن ارتكاب المحامى جريمة في حالة تلبس، ما يسمح بتطبيق الآثار الإجرائية المترتبة على توافرها، فالنص على "ومع عدم الإخلال بحالة التلبس" يعنى أن توافر هذه الحالة له الأولوية في التطبيق على ما سيلى من قواعد. وإذا أردف المشروع هذا الشطر من العبارة بشطر آخر يقضى بمراعاة قانون المحاماة، وهو لا يجيز القبض على المحامى في حالة التلبس، فإن ذلك مؤداه أن عبارة النص صارت ينفى بعضها البعض، ويتعذر التوفيق بين ما نصت عليه.
ومن جهة أخرى، فإن إعادة نص المشروع على "التشويش" المخل بالنظام، والوارد في المادة 245 من قانون الإجراءات الجنائية، هو أمر محل نظر، فعبارة التشويش يشوبها الغموض وعدم التحديد، ولا تتضمن أفعالاً واضحة، وسيترك تفسير معناها لكل قاض، وكان يجب الاستعانة بنصوص التشريعات المقارنة فى ذلك.
خاتمة الدراسة
حاولت الدراسة الإجابة على العديد من التساؤلات التى أثارتها، وأهمها: ما إذا كان تخويل المحكمة حق إقامة الدعوى والحكم فيها في جرائم الجلسات يعد مساساً بمبدأ الفصل بين سلطتى الاتهام والحكم فى الدعوى الجنائية ويخل بحياد القاضي وموضوعيته؟، وهل تسلم أغلب التشريعات المقارنة بهذا الحق؟، وإذا كانت الجريمة قد نالت القاضى شخصياً، أو وقعت على مرأى منه، ألا يعد إقامته للدعوى الجنائية وفصله فيها صورة من القصاص الشخصى، وكيف يكون للمجنى عليه وللشاهد سلطة الحكم في الدعوى في هذه الحالة؟، ألا يتأثر القاضى بما وقع في الجلسة على نحو يخرجه عن حياده الذى يجب أن يتحلى به؟ وما المقصود بجرائم الجلسات وما هو نطاقها وحدودها؟.
وما مدى صواب تخويل المحكمة الجنائية الحق في إقامة الدعوى الجنائية في جريمة الشهادة الزور ضد الشاهد الذى شهد في دعوى منظورة أمامها، وماهى خطة التشريعات المقارنة في ذلك؟. وطرحت الدراسة تساؤلاً مهماً عن مدى اتفاق خطة الشارع المصرى في قانون الإجراءات الجنائية مع نصوص الدستور وأصول الشرعية الجنائية التى توجب أن يتصف القضاء بالحيدة، وأن تكون محاكمة المتهم عادلة؟
وقد خلصت الدراسة إلى أهم النتائج والتوصيات الآتية:
أولاً: السياسة الجنائية للتشريعات المقارنة لا تجيز الجمع بين سلطتى الاتهام والحكم:
أظهرت الدراسة أن السياسة الجنائية قد هجرت النظام التنقيبي الذى يسند إلى القاضى مهمة تحقيق الدعوى واتخاذ كافة الإجراءات التى يستلزمها هذا التحقيق، والقيام بإجراءات الاتهام، والإحالة وإصدار الحكم فيها، وقد أدى الأخذ بهذا النظام إلى الاستبداد والتحكم وتحيز القضاة، وإلى بث عدم الثقة فى نظام العدالة الجنائية.
وقد نشأ حق المحكمة فى جرائم الجلسات فى ظل النظام التنقيبى، الذي كان يجمع بين سلطات التحقيق والاتهام والحكم كلها فى يد القاضى، ويجيز له اتخاذ مبادرة تحريك الدعوى الجنائية وتحقيقها والحكم فيها من تلقاء نفسه.
والقاعدة العامة التى تتفق عليها خطة التشريعات الإجرائية المقارنة هى أن قرار الإحالة يرسم الحدود الشخصية والموضوعية للدعوى أمام محكمة الموضوع، وهذا القرار، وإن كان لا يقيد محكمة الموضوع فيما انطوى عليه من تكييف للفعل موضوع الاتهام؛ إلا أنها تلتزم بعدم إضافة أفعال لم يشملها فيه، كما أن المحكمة ت
تقيد أيضاً بمحاكمة المتهمين الذين وردوا فى قرار الإحالة، فلا يجوز لها أن تستبعد بعضهم من الاتهام أو أن تضيف غيرهم إليه.
ثانياً: إقامة الدعوى من المحكمة في جرائم الشهادة الزور والحكم فيها:
أظهرت الدراسة أن التشريعات المقارنة الرئيسية تجمع على عدم جواز إقامة الدعوى من المحكمة في جرائم الشهادة الزور والحكم فيها: فلم يخول الشارع الفرنسى الحق للمحاكم فى إقامة الدعوى والحكم على الشاهد الذي تتبين زور شهادته، وكل ما لها هو أن تحرر محضراً بالأقوال الكاذبة وتحيل الواقعة والمتهم إلى النيابة العامة التى يجب عليها أن تطلب من قاضى التحقيق فتح تحقيق في الواقعة. ولا تملك محكمة الموضوع في القانون الفرنسى حق توجيه التهمة إلى الشاهد.
ولا يجيز القانون الألمانى للمحكمة أن تقيم الدعوى على شاهد الزور؛ وإنما تتقيد المحكمة في هذا القانون تقيداً صارماً بحدود الدعوى، وأما الاتهام فتتولاه النيابة العامة، ولا يجوز للمحكمة أن تتصدى لأى جريمة خارج حدود الدعوى أمامها.
وهذه القاعدة مقررة كذلك في القانون الإنجليزى الذى يعود إلى سنة 1911 ومازال مطبقاً. وإذا كان أمر التشريعات المقارنة هو كذلك، فإن خطة القانون المصرى التى تجيز لمحكمة الموضوع الحق في إقامة الدعوى والحكم فيها في جرائم الشهادة الزور تثير الكثير من التساؤلات، على ما سيلى بيانه لاحقاً عند تقدير خطة هذا القانون.
ثالثاً: الجرائم المرتكبة أثناء جلسات المحاكمة الجنائية:
باستبعاد جرائم الشهادة الزور التي ذهبت خطة التشريعات المقارنة إلى إخراجها من نطاق الجرائم التي يجوز للمحكمة إقامة الدعوى والحكم فيها، فقد أظهرت الدراسة أن خطة هذه التشريعات في أفعال المساس بنظام الجلسة والتعدى على المحكمة قد توزعت إلى عدة اتجاهات: إذ ذهب اتجاه إلى عدم جواز تصدى المحكمة لجريمة وقعت في الجلسة حتى ولو شكلت إخلالاً لنظامها، ومثال ذلك القانون الألمانى، إذ راعى الفصل التام بين سلطتى الاتهام والحكم.
وذهب اتجاه ثان إلى جواز إقامة الدعوى والحكم فيها في جرائم الجلسات باستثناء جرائم إهانة القضاء التى تقع بالجلسة، كالقانون الفرنسى الذى أجاز لرئيس الجلسة إذا وقع من أحد الحضور إخلال بالنظام بأى صورة كانت، أن يصدر أمراً بإخراجه من قاعة الجلسة. وإذا وقع أثناء تنفيذ هذا التدبير مقاومة لهذا الأمر أو سبب شغباً، فإنه يأمر في الحال بوضعه تحت الاحتجاز، وأن يحاكم من نفس المحكمة. ويستثنى من ذلك الجنايات، وكذلك إذا وقعت جنحة أمام محكمة المخالفات.
غير أن الشارع الفرنسى قد خرج على القواعد المتقدمة في حال أن ارتكبت بالجلسة جريمة إهانة القضاء. إذ يقوم رئيس الجلسة بتحرير محضر بما وقع، ويحيل المتهم إلى نائب الجمهورية. ولا يجوز للقضاة الذين شاركوا في الجلسة التي ارتكبت فيها الجريمة أن يدخلوا ضمن تشكيل المحكمة التي تنظر الدعوى عنها. فالشارع الفرنسى لا يجيز أن يقيم القاضى الذى وقعت الإهانة عليه أو على أحد الموظفين أو العاملين بالجلسة، ولا يجوز له أن يقضى فيها.
وأما الاتجاه الثالث الذى مثله القانون الإنجليزى فقد نظر إلى جريمة "ازدراء المحكمة" باعتبارها تتضمن مساساً بحسن سير العدالة وتتضمن تأثيراً على المحكمة فى عملها، وأنها تنطوى على عرقلة لإقامة العدالة. وقد نص الشارع الإنجليزى على حق المحاكم الأدنى درجة فى التصدى لجرائم ازدراء المحكمة يقتصر على تلك التى ترتكب داخل الجلسة؛ بينما يتسع حق المحاكم العليا ليشمل ما يرتكب خارج المحكمة أيضاً. وقد تناولت الدراسة ما نص عليه هذا الشارع من تطبيق قاعدة المسئولية الموضوعية على بعض صور جرائم ازدراء المحكمة، غير أنه أوجب في حال تطبيق هذه المسئولية أن تقع الجريمة بطريق النشر، وأن تنطوى على خطر كبير على سير العدالة، وأن يتعاصر ارتكابها مع كون الإجراءات الجنائية نشطة، وأجاز نفى هذه المسئولية في حال أن أثبت الشخص أنه بذل كل العناية الواجبة. كما نص الشارع أيضاً على خروج ما ينشر بحسن نية ويتناول مناقشة المسائل العامة وما يهم المصلحة العامة من نطاق هذه المسئولية، وكذلك من ينشر تقارير عن إجراءات قضائية وتتسم بالموضوعية والنزاهة، وما سوى ذلك من حالات فإن القواعد العامة في القصد الجنائى هى التى تطبق ولا مجال لإعمال قاعدة المسئولية الموضوعية.
رابعاً: تقدير خطة القانون المصرى ومشروع قانون الإجراءات الجنائية لسنة 2024:
فى تقديرنا، فإن خطة قانون الإجراءات الجنائية الحالي والتي أخذ بها كذلك مشروع سنة 2024 هي خطة محل نظر، وتتعارض في مجملها مع نصوص الدستور وأصول الشرعية الجنائية، كما أنها تخالف خطة أغلب التشريعات المقارنة، وذلك على التفصيل الآتى:
-الحق في التصدى: على الرغم من أن التصدى يخرج عن نطاق الدراسة؛ إلا أنه من المفيد ذكر أن الشارع المصرى قد خالف خطة أغلب التشريعات المقارنة التى لم تجز للقضاء حق إقامة الدعوى الجنائية لوقائع أو أشخاص آخرين لم ترفع بشأنهم الدعوى المنظورة أمامها. وقد أناط بالقضاء في التصدى وظيفة الاتهام، وهى وظيفة غريبة عليه. غير أنه قد يبرر ذلك أن الشارع المصرى قد ألغى مرحلة إحالة الدعوى الجنائية، ومن ثم لم تعد هناك سلطة تراقب النيابة العامة في إحالتها للدعوى الجنائية، على الأقل في الجنايات. وإلغاء الإحالة يمثل نقصاً تشريعياً جسيماً في نظام الإجراءات المصرى.كما قد يبرر خطة الشارع أنه لم يمنح المحكمة الحق في الحكم في الدعوى التى تصدت لها.
-جرائم الشهادة الزور: أظهرت الدراسة أن خطة الشارع المصرى في تخويل المحاكم الجنائية والمدنية حق إقامة تهمة الشهادة الزور والحكم فيها هي خطة محل نظر: فالتشريعات المقارنة كالقانون الفرنسي والألمانى والإنجليزى، لا تجيز أن تقيم المحكمة الدعوى على الشاهد وأن تقضى فيها. وعلة ذلك واضحة، إذ أن المحكمة تخرج بذلك عن قاعدة عينية الدعوى وشخصيتها، كما أن ذلك ينال من حياد القاضي، إذ يجعله خصماً وحكماً في نفس الوقت. ويضاف لذلك أن تقدير مدى توافر الشهادة الزور يحتاج إلى تحقيق وروية وأناة، فليس كل تغيير أو اختلاف في الأقوال يعتبر من قبيل الشهادة الزور، ولا يصح تكذيب الشاهد في إحدى رواياته اعتماداً على رواية أخرى له دون قيام دليل يؤيد ذلك، لأن كلتا الروايتين مصدرهما الشخص نفسه. وتخويل المحكمة سلطة القبض على الشاهد وإيداعه قفص المتهمين، ينطوى على تهديد وإكراه له، وإجباره على الإدلاء بشهادة على نحو معين، وهو ما يؤثر في استقلال الشاهد ويغلق الباب أمامه في العدول عن شهادته والإداء بها على وجه صحيح.
وفي تقديرنا كذلك، فإن العدالة تأبى أن يدلى الشاهد بأقواله بعد توجيه هذه التهمة له من المحكمة، وأن تخويل المحكمة هذا الحق يفتح الباب أمام الإخلال بمبدأ الحياد الواجب توافره في القاضي، الذى بتوجيهه هذه التهمة قد صار طرفاً في الدعوى، وعبر عن عقيدته، وأفصح عن مكنون سره، وهو لا يصلح من بعد للحكم في الدعوى. وإذا كانت المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على أنه "ويمتنع على القاضى أن يشترك في الحكم إذا كان قد قام في الدعوى بعمل من أعمال التحقيق أو الإحالة ..."، فإن هذا الحظر الذى تقتضيه أصول الشرعية الجنائية يتنافى مع تخويل المحكمة الحق في الاتهام والتحقيق والإحالة للشاهد، والحكم عليه. وإذا رأت المحكمة أن الشاهد قد أدلى زوراً، فبإمكانها تحرير محضر بما وقع، ولها إبقاء الشاهد بالجلسة، ولها إصدار أمر بالقبض عليه، والأمر باقتياده إلى النيابة العامة للتحقيق.
-الجرائم المرتبكة بالجلسة ومن بينها أفعال الاعتداء على المحكمة: خرج الشارع على القاعدة المقررة بالفصل بين الاتهام والمحاكمة، فأجاز أن تقوم المحكمة الجنائية التى ارتكبت جنحة أو مخالفة أثناء انعقاد جلستها بإقامة الدعوى الجنائية والحكم على المتهم فوراً، أما الجنايات فلا تملك سوى تحرير محضر بالواقعة والأمر بالقبض على المتهم وإحالته للنيابة العامة.
وفى تقديرنا، فإن هذه الخطة محل نظر، وعلة ذلك أن إقامة الدعوى والحكم فيها من المحكمة التي وقعت أمامها يفقدها الحياد الواجب توافره في القاضي الذى نصت عليه المادة 94 من الدستور. فجمع المحكمة بين سلطتى الاتهام والحكم يفقدها حيادها، وهو محظور وفقاً لنص المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية، وفى إقامة المحكمة للدعوى ما يعنى أنها اقتنعت بأن أدلة الاتهام ابتداء متوافرة ضد المتهم، ثم قيامها بتحقيق الدعوى، والوقوف على أدلتها، وانتهائها إلى إقامة الدعوى، ما يعنى أنها قامت بأعمال التحقيق والاتهام والإحالة في الدعوى، وكونت عقيدتها في شأن هذه الأدلة وثبوتها، وبذلك صارت خصماً للمتهم، وقد يجعلها ذلك تنحاز ضده، وإذا كانت هي التي أقامت الدعوى، فمن غير السائغ أن تقر بخطئها، أو بمبالغتها في التقدير، لأنه ليس من طبائع الأمور أن يقر المرء بخطئه، ولا سيما وأنها تقيم الدعوى وتقضى فيها فوراً ، دون أن يتاح لها الفرصة في التروى، وإعادة تقدير الوقائع، والنظر ببصيرة وحيدة، ما يجعل حكمها يشوبه الميل، وقد يجنح إلى الخطأ.
-جرائم الاعتداء على المحكمة أثناء انعقادها: تعتبر جرائم الإهانة والتعدى على هيئة المحكمة أو أحد العاملين بها بالقول أو الفعل أو الإشارة داخلة في مدلول جرائم الجلسات، وبالتالي يجوز للمحكمة أن تقيم الدعوى على المتهم وأن تقضى عليه بعد سماع أقواله وأقوال النيابة العامة. وذات النقد الذى سبق قوله ينسحب على خطة الشارع في تحويل المحكمة حق إقامة الدعوى والحكم فيها في هذه الجرائم، فالقاضى الذى أقام الدعوى وحققها لا يجوز له أن يحكم فيها، وهو أمر يتعارض مع صريح نص المادة 247 سالفة الذكر التي تمنع القاضي من الحكم في دعوى يكون قد اشترك في الاتهام أو التحقيق أو الإحالة فيها. وإذا كانت خطة القانون المقارن منقسمة في شأن هذه الجرائم الواقعة على المحكمة، إذ لا يجيز القانون الألماني والفرنسى للمحكمة الحق في إقامة الدعوى الجنائية والحكم فيها في هذه الحالة، ويخولان للمحكمة الحق في القبض على المتهم وتحرير محضر بالوقائع واقتياده إلى النيابة العامة لتجرى التحقيق؛ غير أن القانون الإنجليزى يخالف هذه الخطة ويجيز للمحكمة الحكم في جريمة الجلسة باعتبارها من جرائم ازدراء المحكمة.
-الأفعال الصادرة من محام بالجلسة أثناء تأدية مهنته أو بسببها: من المسائل التي تثير قدراً كبيراً من الدقة ما قدر يصدر عن المحامى في الجلسة من أفعال قد تعتبر ماسة بالمحكمة. والذى أثار هذه الدقة هو أنه قد تصدر من المحامى أثناء قيامه بواجبه أفعال تتجاوز عدم اللباقة وقد تتسم بالفظاظة أو عدم الكفاءة، وقد يؤدى ذلك إلى إعاقة أو عرقلة المحاكمة، مع توافر القصد في تحقيق ذلك، وهو ما قد يشكل جريمة إهانة القضاء. غير أنه من وجهة أخرى، فإن معاقبة المحامى من أجل ما قاله في الجلسة بحسبان أنه نقد للقاضى أو وكيل النيابة، وتقدير ما إذا كان ذلك يشكل تدخلاً في حقوق المحامى، هو أمر يجب على القانون أن يقرره، وأن يسعى إلى تحقيق غرض مشروع، وأن تتناسب نصوصه مع تحقيق هذا الغرض، وأن يكون ضرورياً في مجتمع ديمقراطى.
والغرض المشروع هو الحفاظ على سلطة القضاء، وليس الأمر مرده حماية شخص القاضي أو وكيل النيابة؛ وإنما حماية النظام القضائى. والتدخل في حرية المحامى في التعبير أثناء إجراءات المحاكمة قد ينطوى على مساس بحق المتهم في محاكمة عادلة، ومن شأن توقع عقوبة على المحامى من أجل إبدائه نقداً أثناء المحاكمة، أن يؤثر سلباً على سير المحاكمة، حتى ولو كنت العقوبات التي توقع على المحامى بسيطة.
ويترتب على إعمال مبدأ حماية النظام القضائى وجوب التمييز بين ما يعد نقداً مباحاً؛ وبين ما يشكل إهانة. ولذلك فإن على المحكمة التي تنظر في الفعل الصادر من المحامى أن تدخل في اعتبارها طبيعة النقد، وما إذا كان شخصياً أو أنه وجه إلى الممارسة المهنية لمن وجه إليه النقد أو الإهانة، ومناسبة النقاش التي قيلت فيها، ومدى عدالة الإجراءات التي جرت، والضمانات الإجرائية المقررة ومدى شدة العقوبات([140]).
وفى نطاق القانون الإنجليزى الذى يكاد ينفرد بإقامة الدعوى الجنائية على المحامي والحكم عليه إذا ارتكب جريمة ازدراء المحكمة، فإن دراسة إحصائية قد شملت عمل مائة من محاكم التاج (وهى من المحاكم العليا في النظام الإنجليزى)، خلال مدة سنة كاملة، قد أظهرت أنه نادراً من تلجأ إلى تطبيق نصوص هذه الجريمة على المحامى ومن في حكمها([141]).
من أجل كل هذه الاعتبارات، فإنه في تقديرنا استلهام حلول من الفقه والتشريع والقضاء المقارن للتوفيق بين هذه الاعتبارات المتعارضة، كما أنه يجب دراسة الجوانب الأخرى المتصلة بأخلاق وقواعد المهنة وجزاء مخالفتها، ومدى فاعليتها، ولا يمكن أن نعلى من شأن جانب على حساب جانب آخر، فلابد من صيانة النظام القضائى، وفى الوقت نفسه نكفل حق المحامى في حرية التعبير أثناء إجراءات المحاكمة.
-تقدير خطة مشروع قانون الإجراءات الجنائية لسنة 2024:
استلهم مشروع سنة 2024 أغلب نصوصه في جرائم الجلسات من نصوص قانون الإجراءات الجنائية الحالي، وتنسحب عليه كافة الانتقادات السابقة التي أسفرت عنها الدراسة بالنسبة للقانون الحالي.
غير أن الدراسة كشفت عن أن المادة 242 من المشروع بنصها على أنه: " ومع عدم الإخلال بحالة التلبس، وبمراعاة أحكام قانون المحاماة، إذا وقع من المحامي أثناء قيامه بواجبه في الجلسة وبسببه ..."، فى تقديرنا محل نظر ذلك أن عبارة "ومع عدم الإخلال بحالة التلبس"، تتعارض مع العبارة التي تليها وهى "وبمراعاة أحكام قانون المحاماة"، فقانون المحاماة لا يجيز القبض على المحامى الذى يرتكب جريمة بسبب أو أثناء تأدية مهنته، سواء أكانت هذه الجريمة داخل الجلسة أم خارجها. فالنص أورد في عبارة واحدة حكمين مختلفين متعارضين لمسألة واحدة: فالشطر الأول من العبارة التي نص عليها المشروع يعنى أن ارتكاب المحامى جريمة في حالة تلبس، ما يسمح بتطبيق الآثار الإجرائية المترتبة على توافرها. وإذا أردف المشروع هذا الشطر من العبارة بشطر آخر يقضى بمراعاة قانون المحاماة، وهو لا يجيز القبض على المحامى في حالة التلبس، فإن ذلك مؤداه أن عبارة النص صارت ينفى بعضها البعض، ويتعذر التوفيق بين ما نصت عليه.
وتنتهى الدراسة إلى حاجة قانون الإجراءات الجنائية المصرى الملحة إلى التعديل في النصوص التي عالج فيها حق المحكمة الجنائية والمدنية في إقامة الدعوى الجنائية في جرائم الجلسات والحكم فيها، وأن خطة القانون المصرى في ذلك تخالف أصول الشرعية الجنائية من وجوب توافر حياد القاضي وحق المتهم في محاكمة عادلة.
الهوامش
([1])VINCENT (Jean) / GUINCHARD (Serge) / MONTAGNIER (Gabriel) / VARINARD (André) : La justice et ses institutions, (1996), no.279, p.302.
([2]) الدكتور محمود نجيب حسنى: شرح قانون الإجراءات الجنائية، الطبعة الثانية، (1987) رقم 162 ص 148؛ الدكتور توفيق الشاوى: فقه الإجراءات الجنائية الجزء الأول، (1954) ، رقم 58 ص 77.
([3]) للمزيد تفصيلاً في موضوع التصدى انظر دراستنا بعنوان: حق المحكمة الجنائية في التصدى، مجلة مصر المعاصرة التي يصدرها الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع العدد 459-460، السنة 91، يوليه-أكتوبر 2000، ص 694 إلى 803، وانظر على وجه الخصوص الطبعة الثانية مزيدة ومفصلة 2024.
([4])WOHLERS (Wolfgang): Entstehung und Funktion der Staatsanwaltschaft: ein Beitrag zu den rechtshistorischen und strukturellen Grundlagen des refomierten Strafverfahren, (1994), S.21, S.50 ff.; VOLK (Klaus): Strafprozessrecht, (1999) § 6, S.17; ROXIN (Claus) Strafverfahrensrecht, 25 Auflage, (1998). § 13, S.83 ; RASSAT (Michèle Laure): Institutions judiciaires, (1993), p.11-12 ; SALAS (Denis) : Du procès pénal, (1992), p. 14.
([5]) “Tout juge est procureur général”.
([6]) BERGOIGNAN-ESPER (Claudine): La séparation des fonctions de justice répressive, (1973), p.67.
([7])الدكتور عبد الفتاح مصطفى الصيفى: حق الدولة فى العقاب، (1985)، رقم 113 ، ص 212.
([8]) GÖRCKE (Hans-Helmuth): Weisungsgebundenheit und Grundgesetz, ZStW, Bd.73, (1961) , S.561 (564-565).
([9]) Roxin § 13, S.83, Volk § 6, S.17; HELLEBRAND (Johannes): Die Staatsanwaltschaft, Arbeitsgebiet und Arbeitspraxis, (1999), S.4.
([10]) RASSAT (Michèle Laure): Procédure pénale, (1990), p.30.
([11])Bergoignan-Esper, p.67.
([12]) Roxin § 13, S.83, Volk § 6, S.17; Hellebrand, S.4.
([13]) Hellebrand, S.167.
([14]) Hallebrand, S.167.
([15]) “Tout juge est procureur général”.
([16]) الدكتور عبد الوهاب العشماوى: الاتهام الفردى أو حق الفرد فى الخصومة الجنائية ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق بجامعة القاهرة (1953) ، ص 40.
([17]) CONTE (Philippe) & MISTRE DU CHAMBON (Patrick) : Procédure pénale, (1998), p.2.
([18]) “action populaire”.
([19])Conte & Maistre du Chambon, p.2.
([20])Bergoignan-Esper, p.67 ; Conte & Maistre du Chambon, p.17.
([21])Bergoignan-Esper, p.76.
([22])Vincent / Guinchard / Montagnier / Varinard, no.280, p.303.
([23]) قد أخذ الشارع الألمانى بالوجهة الثانية؛ غير أنه أحاط إجراءات التحقيق برقابة قضائية واسعة فلا يجوز للنيابة اتخاذ الأوامر الماسة بالحرية أو حصانة الجسم أو المال، وإنما يجرى اتخاذها من قاض بالمعنى الدقيق، وينتمى القانون المصرى -بحسب الأصل- إلى هذه الوجهة؛ بينما أخذ القانون الفرنسي بالوجهة الثانية، إذ يباشر التحقيق في الجنايات قاض، ولا يجوز أن يؤمر بالحبس الاحتياطي إلا من قاض، كما أن الدعوى الجنائية لا تحال فيها إلا من قضاة.
([24])Vincent / Guinchard / Montagnier / Varinard, no.279, p.320.
([25]) “Le principe de la séparation des fonctions judiciaires”.
([26]) من ذلك على سبيل المثال القانون الألمانى والمصرى، إذ تجمع فيه النيابة العامة بين سلطتى التحقيق والاتهام. انظر بالتفصيل دراستنا عن دور النيابة العامة فى النظام الجنائى الألمانى، الطبعة الثانية 2023.
([27])Bergoignan-Esper, p.73.
([28]) KARL PETERS: Strafprozess, (1985)، § 23 , S.163 ; Volk § 6 , S.17.
([29])Bergoignan-Esper, p.73.
([30])Bergoignan-Esper, p.74.
([31]) JEAN PRADEL: procédure pénale, (1997), no.7, p.25.
([32])Vincent / Guinchard / Montagnier / Varinard, no.279, p.302.
الدكتور عبد الفتاح مصطفى الصيفى: حق الدولة فى العقاب، ص 260-261.
([33])الدكتور عبد الفتاح مصطفى الصيفى: رقم 139 ، ص 260.
([34])الدكتور محمد مصطفى القللى: أصول قانون تحقيق الجنايات (1945) ص 272.
([35])Bergoignan-Esper, p.73.
([36])LOWE (Nigel) & SUFRIN (Brenda): The Law of Contempt, Butterworths, London, 1996., p.1.
([37]) “Anklageprinzip". Die Eröffnung einer gerichtlichen Untersuchung ist durch die Erhebung einer Klage bedingt”. § 151 StPO.
([38]) KREHL (Christoph), Heidelberger Kommentar zur Strafprozessordnung, C. F. Müller Verlag. Heidelberg, 1999 § 151, S.592.
([39]) ولتأكيد التزام المحاكم الصارم بحدود الدعوى يقول الفقيه الألمانى Hans-Heiner Kühne:" إن المحكمة لا تستطيع بدون رفع دعوى أمامها أن تقضى فى الفعل المجرم. وتتقيد المحكمة بذلك حتى ولو شاهدت بنفسها أحد الأشخاص يقتل آخر أمامها؛ إذ لا يمكنها النظر فى الجريمة التى ارتكبت وأن تقضى على المتهم فيها فى الحال". Kühne, Rn 140, S.109.
([40])Hellebrand , S.4.
([41]) المادة 151 من قانون الإجراءات الجنائية.
([42]) Wohler, S.60.
([43]) قررت هذه القاعدة المادة 183 من قانون نظام القضاء، فقد أوجب الشارع أن تقوم المحكمة بإثبات الفعل المرتكب فى الجلسة بمحضرها، وأجاز لها أن تأمر بإلقاء القبض على المتهم.
KLEINKNECHT / MEYER-GOSSNER: Strafprozessordnung, , (1999) § 183 GVG, S.1594.
([44]) “Wo kein Kläger, da kein Richter”.
([45]) Hellebrand, S.4.
([46]) Peters, § 23, S.161. Roxin § 13, S.83.
([47]) Kleinknecht / Meyer-Goßner § 183 GVG, S.1594.
([48]) „Straftaten in der Sitzung
- Wird eine Straftat in der Sitzung begangen, so hat das Gericht den Tatbestand feststellen und der zuständigen Behörde das darüber aufgenommene Protokoll mitzuteilen.
- In geeigneten Fällen ist die vorläufige Festnahme des Täters zu verfügen“ § 183 GVG
HERBERT DIEMER, Karlsruher Kommentar zur Strafprozessordnung und zum Gerichtsverfassungsgesetz mit Einführungsgesetz, Herausgegeben von Gerd PFEIFER, (1999), § 183, S.2303.
([49])Bergoignan-Esper, p.75.
([50])Bergoignan-Esper, p.76.
([51])Bergoignan-Esper, p.76.
([52]) “Lorsque dans le cours des débats des charges sont relevées contre l’accusé à raison d’autres faits, et lorsque le ministère public a fait des réserves aux fins de poursuites, le président ordonne que l’accusé acquitté soit, par la force publique, conduit sans délit devant le procureur de la République, du siège de la cour d’assises qui doit immédiatement requérir l’ouverture d’une information”.e
([53])Bergoignan-Esper, p.76.
([54]) ANGEVIN : La pratique de la cour d’assises ,2 édition, Litec, librairie de la cour de cassation, Paris, (1999), no.299, p.120-121.
([55]) “la cour d'assises a plénitude de juridiction pour juger, en premier ressort ou en appel, les personnes renvoyées devant elle par la décision de mise en accusation. Elle ne peut connaître d'aucune autre accusation”.
Article 231, Modifié par LOI n°2021-1729 du 22 décembre 2021.
([56]) “ Si, d'après les débats, la déposition d'un témoin paraît fausse, le président, soit d'office, soit à la requête du ministère public ou d'une des parties peut ordonner spécialement à ce témoin d'être présent aux débats jusqu'à leur clôture et en outre de demeurer dans la salle d'audience jusqu'au prononcé de l'arrêt de la cour d'assises”.
([57]) “ En cas d'infraction à cet ordre, le président fait mettre le témoin en état d'arrestation provisoire ”.
([58]) “ Si d'après les débats la déposition d'un témoin paraît fausse, le président, soit d'office, soit à la requête du ministère public ou de l'une des parties, fait consigner aux notes d'audience les dires précis du témoin”.
([59]) الفقرتان الثانية والثالثة من المادة 457 من قانون الإجراءات الجنائية
“ Il peut enjoindre spécialement à ce témoin de demeurer à la disposition du tribunal, qui l'entendra à nouveau, s'il y a lieu.
Si le jugement doit être rendu le jour même, le président peut également faire garder ce témoin par la force publique dans ou hors la salle d'audience.”
([60]) الفقرتان الرابعة والخامسة من المادة 457 من قانون الإجراءات الجنائية
“ Après lecture du jugement sur le fond, le tribunal ordonne sa conduite devant le procureur de la République qui requiert l'ouverture d'une information pour faux témoignage.
Il est dressé séance tenante par le tribunal, après la lecture du jugement sur le fond, un procès-verbal des faits ou des dires d'où peut résulter le faux témoignage.”
([61]) الفقرتان الثالثة والرابعة من المادة 342 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسى.
“ Après lecture de l'arrêt de la cour d'assises, ou, dans le cas de renvoi à une autre session, le président ordonne que le témoin soit, par la force publique, conduit sans délai devant le procureur de la République qui requiert l'ouverture d'une information.
Le greffier transmet à ce magistrat une expédition du procès-verbal qui a pu être dressé par application de l'article 333”.
([62]) Art.333 “ Le président fait dresser d'office ou à la requête du ministère public ou des parties, par le greffier, un procès-verbal des additions, changements ou variations qui peuvent exister entre la déposition d'un témoin et ses précédentes déclarations. Ce procès-verbal est joint au procès-verbal des débats.”.
([63])Bergoignan-Esper, p.78.
([64]) Article 321: " Lorsque à l'audience l'un des assistants trouble l'ordre de quelque manière que ce soit, le président ordonne son expulsion de la salle d'audience.
Si, au cours de l'exécution de cette mesure, il résiste à cet ordre ou cause du tumulte, il est, sur-le-champ, placé sous mandat de dépôt, jugé et puni de deux ans d'emprisonnement, sans préjudice des peines portées au Code pénal contre les auteurs d'outrages et de violences envers les magistrats.
Sur l'ordre du président, il est alors contraint par la force publique de quitter l'audience".
([65]) Article 322: "Si l'ordre est troublé par l'accusé lui-même, il lui est fait application des dispositions de l'article 321.
L'accusé, lorsqu'il est expulsé de la salle d'audience, est gardé par la force publique, jusqu'à la fin des débats à la disposition de la cour ; il est, après chaque audience, procédé ainsi qu'il est dit à l'article 320, alinéa 2".
([66]) "Après chaque audience, il est, par le greffier de la cour d'assises, donné lecture à l'accusé qui n'a pas comparu du procès-verbal des débats, et il lui est signifié copie des réquisitions du ministère public ainsi que des arrêts rendus par la cour, qui sont tous réputés contradictoires". Article 320, alinéa 2.
([67]) Article 404, Modifié par Loi n°92-1336 du 16 décembre 1992 - art. 322 (V) JORF 23 décembre 1992 en vigueur le 1er mars 1994
([68])Bergoignan-Esper, p.79.
([69])Angevin , no.55, p.23.
([70]) "Si le fait commis est un crime, la cour ou le tribunal, après avoir fait arrêter l'auteur, l'interroge et dresse procès-verbal des faits ; cette juridiction transmet les pièces et ordonne la conduite immédiate de l'auteur devant le procureur de la République compétent qui requiert l'ouverture d'une information".
Article 678, Modifié par LOI n°2011-1862 du 13 décembre 2011 - art. 2
([71])Bergoignan-Esper , p.80.
([72])"Si le fait, qualifié délit, a été commis à l'audience d'un tribunal de police, le président en dresse procès-verbal, qu'il transmet au procureur de la République ; il peut, si la peine encourue est supérieure à six mois d'emprisonnement, ordonner l'arrestation de l'auteur, et sa conduite immédiate devant le procureur de la République".
([73])Bergoignan-Esper, p.80.
([74])"Par dérogation aux dispositions qui précèdent, lorsqu'il a été commis pendant la durée d'une audience, d'un tribunal de police, d'un tribunal correctionnel ou d'une cour le délit d'outrage prévu par l'article 434-24 du code pénal, le président en dresse procès-verbal qu'il transmet au procureur de la République. Les magistrats ayant participé à l'audience lors de la commission du délit ne peuvent composer la juridiction saisie des poursuites".
([75])"L'outrage par paroles, gestes ou menaces, par écrits ou images de toute nature non rendus publics ou par l'envoi d'objets quelconques adressé à un magistrat, un juré ou toute personne siégeant dans une formation juridictionnelle dans l'exercice de ses fonctions ou à l'occasion de cet exercice et tendant à porter atteinte à sa dignité ou au respect dû à la fonction dont il est investi est puni d'un an d'emprisonnement et de 15 000 euros d'amende" Article 434-24 du Code Pénal.
Si l'outrage a lieu à l'audience d'une cour, d'un tribunal ou d'une formation juridictionnelle, la peine est portée à deux ans d'emprisonnement et à 30 000 euros d'amende". Art.
([76]) “Supremacy of Law”.
([77]) Lowe & Sufrin, p.1-2.
([78]) Law Commission Reforming the Law: Contempt the court, Consultation paper no.262, Chapter 5: Contempt in the Face of the Court, 9 Jul.2024, p.97.
https://consult.justice.gov.uk/law-commission/contempt/user_uploads/chap...
([79]) “conduct that denotes wilful defiance of, or disrespect towards, the court or that wilfully challenges or affronts the authority of the court or the supremacy of the law itself".
Law Commission Reforming the Law: Contempt the court, p.97.
([80]) هذه الأمثلة من القضاء الإنجليزى، وانظر في ذلك:
Law Commission Reforming the Law: Contempt the court, p.97-98.
([81]) “Contempt of Court Act 1981”.
([82]) Lowe & Sufrin, p.4.
([83]) “in facie curiae”.
([84]) “ex facie curiae”.
([85])Lowe & Sufrin, p.10.
([86]) “Contempt in the face of the court”.
([87]) Lowe & Sufrin, p.13.
([88]) Law Commission Reforming the Law: Contempt the court, p.98.
([89]) “Beyond all reasonable doubt”.
([90]) Lowe & Sufrin, p.468-469.
([91]) Lowe & Sufrin, p.469.
([92]) "“The sole purpose of proceedings for contempt is to give our courts the power effectively to protect the rights of the public by ensuring that the administration of justice shall not be obstructed or prevented”.
Law Commission Reforming the Law: Contempt the court, p.98.
([93]) “Summary process”.
([94]) ARLIDGE / EADY (David) / SMITH (A.T.H.): On Contempt, Second Edition, 1999, p.807.
([95])Lowe & Sufrin, p.472.
([96])Lowe & Sufrin, p.470.
([97]) “Rule of the Supreme Court”.
([98])Lowe & Sufrin, p.472.
([99]) “Committal Order”.
([100])Lowe & Sufrin, p.472.
([101]) “on affidavit”.
([102])Lowe & Sufrin, p.472.
([103])Lowe & Sufrin, p.473.
([104]) انظر قواعد المحكمة العليا (52). Lowe & Sufrin, p.476.
([105])BING (Inigo): Criminal procedure and sentencing in the magistrates’ court, third edition, Sweet & Maxwell, London, (1994), p.179.
([106]) Bing, p.186.
([107]) “The strict liability rule".
In this Act “the strict liability rule” means the rule of law whereby conduct may be treated as a contempt of court as tending to interfere with the course of Justice in particular legal proceedings regardless of intent to do so”.
S.1 Contempt of Court Act 1981.
([108])حمل الفصل الثانى عنوان "تقييد نطاق المسئولية الموضوعية"
” Limitation of scope of strict liability”
S.2 Contempt of Court Act 1981.
([109]) “The strict liability rule applies to a publication only if the proceedings in question are active within the meaning of this section at the time of the publication”. S.2 (3) Contempt of Court Act.
([110]) “having taken all reasonable care”.
([111]) S.3 (3) Contempt of Court Act.
([112]) “A publication made as or as part of a discussion in good faith of public affairs or other matters of general public interest is not to be treated as a contempt of court under the strict liability rule if the risk of impediment or prejudice to particular legal proceedings is merely incidental to the discussion”. S.5 Contempt of Court Act.
([113]) “No court may require a person to disclose, nor is any person guilty of contempt of court for refusing to disclose, the source of information contained in a publication for which he is responsible, unless it be established to the satisfaction of the court that disclosure is necessary in the interests of justice or national security or for the prevention of disorder or crime”. S.10 Contempt of Court Act.
([114]) “Strict Liability Rule”.
([115]) Lowe & Sufrin, p.480.
([116]) Arlidge / Eady / Smith, p.807; Lowe & Sufrin, p.4.
([117]) “House of Lourds”.
([118]) “High Court of Justice”.
([119]) “Crown Court”.
([120]) “Employment Appeal Tribunal”.
([121]) “Courts-Martial Appeal Court”.
([122]) Michael A. Simons: Perjury, Encyclopedia of Crime and Justice, 1983, p.1049
([123]) "Perjury Act 1911".
https://www.legislation.gov.uk/ukpga/Geo5/1-2/6/body/data.pdf
([124]) وقد جاء فى تقريرى لجنة الإجراءات الجنائية بمجلس الشيوخ أن "وقد لاحظت اللجنة أن فى إعطاء الحق لمحكمة الجنايات فى إقامة الدعوى والحكم فيها بعد تحقيقها مباشرة بنفسها أو بواسطة من تندبه لذلك من مستشاريها حرماناً للمتهمين الأصليين فى الدعوى فيما يتعلق بالتهمة الجديدة أو حرمان المتهمين الجدد من ضمان التحقيق الابتدائى بمعرفة قاضى التحقيق. كما أنه يجمع فى يد محكمة الجنايات بين سلطتى الاتهام والحكم ويجعلها بذلك خصماً وحكماً. لذلك رأت اللجنة أنه لا ما نع من أن يكون للمحكمة حق إقامة الدعوى فى الحدود السابقة، ولكنها لا تقيمها أمام نفسها بل أمام قاضى التحقيق ليحققها بالطرق العادية ويقرر فى نهاية تحقيقه إما بأن لا وجه لإقامتها أو بإحالتها إلى المحكمة للحكم فيها، ولها أن تندب أحد أعضائها لمباشرة التحقيق الابتدائى بدل قاضيه العادى، وإذا رأى قاضى التحقيق أو المستشار المندوب أن الدعوى صالحة للحكم، وجب عليه أن يحيلها إلى محكمة أخرى غير التى أقامتها".
وقد كان من رأى بعض أعضاء اللجنة أن يتسع حق محكمة الجنايات فى التصدى للدعوى الجنائية فى حالة إغفال النيابة العامة تحريكها ضد بعض المتهمين، وتحركها ضد البعض الآخر، وضربوا لذلك مثلاً جرائم النشر، عندما تقدم النيابة بعض مرتكبيها إلى القضاء وتغض الطرف عن آخرين يؤيدون الحكومة القائمة مثلاً، غير أن هذا الرأى لم يؤخذ به. وجاء فى تقرير لجنة الشئون التشريعية بمجلس النواب أنه : "كان نص المادة 27 من مشروع القانون كما قدمته الحكومة أن تتولى محكمة الجنايات بنفسها تحقيق الجرائم التى لم ترفع الدعوى بها على غير المتهمين وكذلك محكمة النقض ، وقد اتفق رأى اللجنة مع مجلس الشيوخ فى أن يفيد هؤلاء المتهمون من الضمانات المنصوص عليها فى المشروع ، فيحالون إلى قاضى التحقيق للتحقيق معهم ، ويكون الطعن ، إذا كانت محكمة النقض هى التى تصدت ، أمام دائرة أخرى غير التى حركت الدعوى ، ولم يكن فى المشروع الأصلى هذه الضمانة مما كان يحرم المتهم من جهة للطعن". الأستاذ أحمد عثمان حمزاوى: موسوعة التعليقات على مواد قانون الإجراءات الجنائية، دار النشر للجامعات المصرية، 1953 ص 115-116. وقد كان أصل نص المادة 28 من مشروع الحكومة الذي يقابل نص المادة 12 من قانون الإجراءات الجنائية الحالى ينص على: "لمحكمة النقض والإبرام فى الأحوال المبينة فى المادة السابقة أن تكلف النائب العام بإقامة الدعوى الجنائية أمام الجهة المختصة، وإذا لم يقمها جاز لها أن تتولى بنفسها رفع الدعوى وتفصل هى فيها كما هو مقرر فى المادة السابقة". وقد رفضت لجنة الإجراءات الجنائية بمجلس الشيوخ أن تنظر محكمة النقض الدعوى التى حركتها بنفسها، وإنما يجب إحالتها إلى هيئة أخرى. انظر فى ذلك: الأستاذ أحمد عثمان حمزاوى: ص 120.
([125]) انظر على سبيل المثال: الدكتور شهاد هابيل البرشاوى: الشهادة الزور من الناحيتين القانونية والعملية، دار الفكر العربي، 1982، ص 844-855 والأحكام المشار إليها.
([126]) نقض جلسة 30 مارس 1965 مجموعة أحكام محكمة النقض، س 16 رقم 68 ص 319.
([127]) تطابق المادة 240 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية لسنة 2024 باستثناء قيمة الغرامة وتعديل طفيف في الصياغة.
([128]) نقض جلسة 12 مارس 1931 مجموعة القواعد القانونية، ج 2، رقم 203 ص 264.
([129]) نقض جلسة 27 أكتوبر 1987 مجموعة أحكام النقض، س 38 رقم 153 ص 853.
([130]) الأستاذ جندي عبد الملك: الموسوعة الجنائية، ج 3، رقم 128 مكرر، ص 517.
([131]) انظر مثلاً: نقض جلسة 20 فبراير سنة 1968 مجموعة أحكام النقض، س 19 ج 1، رقم 45، ص 245؛ نقض جلسة 14 ديسمبر 1994 س 45، ص 1152؛ نقض جلسة 20 ديسمبر 1976، س 27، رقم 217 ص 960. انظر مثلاً في الفقه: الأستاذ جندى عبد الملك: الموسوعة الجنائية ج3، رقم 128 مكرر، ص 517.
([132]) انظر في مدلول الدلائل الكافية للإحالة وخطة التشريعات في النص عليها تفصيلاً مؤلفنا: إحالة الدعوى الجنائية إلى القضاء في النظم الإجرائية المقارنة، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية سنة 2012 .
([133]) نقض جلسة 5 يناير سنة 2003 مجموعة أحكام محكمة النقض س 54 ، رقم 1، ص 59.
([134]) نقض جلسة 5 يناير سنة 2003 سالف الذكر. وخلصت المحكمة إلى نقض الحكم المطعون فيه، وتصحيحه بالقضاء بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق القانوني، وإعادتها للنيابة العامة لاتخاذ شئونها فيها.
([135])الدكتور محمود محمود مصطفى: شرح قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، 1988، رقم 83 ، ص 112 ؛ الأستاذ عدلى عبد الباقى: شرح قانون الإجراءات الجنائية، المطبعة العالمية ط الأولى ج1، 1951.ص 158 ؛ الدكتور توفيق الشاوى: رقم 60 ، ص 79 ؛ الدكتور رءوف عبيد: مبادئ الإجراءات الجنائية فى القانون المصرى، دار الجيل للطباعة، 1989، ص 109 ؛ الدكتور عمر السعيد رمضان: مبادئ قانون الإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، 1985، رقم 64 ، ص 144 ؛ الدكتور أحمد فتحى سرور: الوسيط فى قانون الإجراءات الجنائية، ج1، ط10، دار النهضة العربية (2016) رقم 593 ، ص 850 ؛ الدكتور مأمون محمد سلامة: الإجراءات الجنائية، ص 239 ؛ الدكتور جلال ثروت: نظم الإجراءات الجنائية، دار الجامعة الجديدة للنشر، 1997، رقم 69 ، ص 89 ؛ الدكتور عبد الرؤوف مهدى: شرح القواعد العامة للإجراءات الجنائية، دار النهضة العربية، 1997، رقم 443، ص 707 ؛ الدكتور محمد عيد الغريب: ج1 ، رقم165 ، ص 206 ؛ الدكتور عادل قوره: الوجيز فى شرح قانون الإجراءات الجنائية، ط الأولى، دار الفكر العربى، 1982، رقم 116، ص 205 ؛ الدكتور عبد الحكم فوده: محكمة الجنايات، منشأة المعارف، 1992 رقم 341 ، ص 297.
([136]) نقض جلسة 26 مايو 1959 مجموعة أحكام محكمة النقض، س 10 رقم 130 ص 583.
([137]) " نقض جلسة 5 إبريل سنة 2014 مجموعة أحكام النقض، س 65، رقم 5، ص 58. وقد قضت المحكمة في هذا الحكم " لما كان الحكم المطعون فيه قد خالف الأنظار القانونية المتقدمة، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه والإعادة".
([138]) الأستاذ جندي عبد الملك: الموسوعة الجنائية، ج 3، رقم 127-128، ص 516-517.
([139]) وفى تقديرنا أن هذا التوسع الذى أتى به القانون رقم 197 لسنة 2008 لا مبرر له، فالفرض فيه أن الجريمة لم ترتكب في جلسة المحاكمة وإنما خارجها، فلا مبرر في هذه الحالة لاستثناء المحامين عن غيرهم من الخضوع للقبض أو الحبس الاحتياطى، إذ إنها تخل بالمساواة بين الناس، فارتكاب الجريمة أثناء أو بسبب ممارسة مهنة من المهن لا يبرر استثناء مرتكبها من الإجراءات الاحتياطية التى نص عليها القانون. وإذا كان استثناء المحامين من الخضوع لهذه الأحكام لما يرتكبونه من أفعال أثناء انعقاد الجلسة مبرراً، فإن هذا التوسع يستعصى على التبرير.
([140]) Law Commission Reforming the Law: Contempt the court, p.103.
([141]) Law Commission Reforming the Law: Contempt the court, p.105.