المؤسسات الدينية والسلطوية الجديدة في مصر

محمد مدحت مندور

الثلاثاء 26 ديسمبر 2017

 طرحت العمليات الإرهابية الأخيرة التي طالت دور عبادة مسيحية والعديد من المواطنين الأقباط الجدل حول مدي نجاح  المؤسسات الدينية الرسمية ( الأزهر والاوقاف) في تنفيذ دعوات الرئيس حول تجديد الخطاب الديني بدايةً من تعليقات الرئيس التي اعتبرت ناقدة لموقف شيخ الأزهر مرورا بالعديد من الانتقادات التي طالت مؤسسة الازهر ككل في عدد من وسائل الاعلام، خصوصا المعروفة بموالاتها للرئيس، وصولا للمطالبة بتعديلات من النائب محمد ابوحامد بتعديل قانون الازهر ليقع اختيار شيخ الازهر من نصيب رئيس الجمهورية.

ربط العديد ما وصفة البعض حملة تنال من الازهر بالخلاف الذي بدي بين الرئاسة والازهر حول قضية الطلاق الشفوي، بل وذهب البعض لتفسير هذا المشهد عبر تتتبع مواقف الطيب من حادثتي الحرس الجمهوري وفض اعتصام رابعة العدوية. بالطبع لا نختلف مع فرضية الخلاف بين الأزهر ومؤسسة الرئاسة، الا أن هذه الثنائية تبدو قاصرة في الإحاطة بمشهد الفاعليين الدينين الرسميين ( الازهر والاوقاف) وغير الرسميين وتأثيره على علاقات المؤسسة الدينية بالسلطوية الحالية. سنحاول استجلاء بعض معالم هذا المشهد المعقد وآثاره القانونية والمؤسسية، من خلال منظور واحد وهو منظور لاقتصاد السياسي للمجال الديني، وكيف تؤثر عملية توزيع الموارد والتنافس بشأنها على علاقة هذا المجال بمؤسسات الدولة.

 الانفاق علي المؤسسات الدينية بين التسعينات والآن:

شكلت المواجهة مع الحركة الاسلامية فى التسعينات تغيرا ملحوظاً في انفاق الدولة على المؤسسات الدينية (الازهر و الاوقاف). فمن جانب، كان أحد مكونات السياسة الرسمية لمواجهة التطرف والارهاب هو ضرورة السيطرة المجال الديني الذي مثل المساحة  التي ينتظم من خلالها الافراد داخل الحركات الاسلامية المتنوعة، ومن جانب آخر، دفع السعي  لتأمين الشرعية السياسية في حقبة التحول نحو سياسات السوق الحرة إلى ضرورة السيطرة على المجال الديني بوصفه أحد أهم مصادر تشكل الشرعية في التاريخ المصري الحديث.

ففي كتابة الشهير " الدولة الضعيفة والنظام القوي " يتتبع سامر سليمان  الي تحولات الإنفاق على المجال اديني فى التسعينات ويدبطها بسياسات حكومات مبارك في تخفيض الدعم بدون أثارة ردود افعال عنيفة مثل التي حدثت مثلا فى يناير 1977، خصوصًا في ظل تهديد شرعيته من قبل الاسلاميين. فقد ارتفعت، وفقًا لسليمان، نسبة الانفاق على  الاجهزة الايدولوجية للدولة  متمثلة في المؤسسات الثقافية و الدينية ( الازهر والاوقاف)  من 6% فى العام 1986  الى 8% فى العام 1996 كنسبة من الانفاق العام. فمثلا  ارتفعت  ميزانية  الاوقاف من من 32 مليوناً في العام المالي 1981 – 1982 وهو العام الأول لحكم مبارك إلى 550 مليوناً في العام المالي 1996- 1997، في مقابل انخفاض نسبة الانفاق على الدعم من 12% في العام 1983 الى 4% في العام 2000   كنسبة من الانفاق العام.

يتماثل هذا المسار مع المسار الحالي في أوجه عديدة. فتشير مثلا موازنة ( 2014 -2015 )  الى ارتفاع في ميزانية الازهر من 7.9 مليار الى 11.1 مليار بزيادة حوالي 25%، والاوقاف من5.9مليار الى 8.2 مليار بزيادة حوالي 28% ، في مقابل ان هذه الموازنة تحديدا هي الموازنة التي بدأت فيها الدولة الخفض التدريجي لدعم المواد البترولية من 144 مليار الى حوالي 100.3 مليار بانخفاض قدره 30 % والذى تسبب في ارتفاع اسعار البنزين والكهرباء وهو ما انعكس بالضرورة على ارتفاع الاسعار ككل. ولا تعتبرالموازنة العامة هي المصدر الوحيد لدخل وزارة الاوقاف، على الرغم من كونها المصدر الرئيسي بالطبع، فقد ارتفعت  ايضاً عوائد الوقف من 50 مليون فى  الشهر فى عام 2015 الى 125 مليون فى الشهر اى ما يقرب من مليار ونصف فى العام 2016. وارتفعت ايضا عوائد صناديق النذور من 5 مليون فى العام المالي 2013 – 2014 الي17.7 في العام المالي 2015-2016، وزاد دخل دور المناسبات من 5 مليون فى 2013 الى 20 مليون فى  2016.

بالطبع يعود ارتفاع الانفاق على الاوقاف جزئيًا لضم العديد من المساجد وزيادة عدد ائمة المكافأة من 21 الف الى 38 الف نظرا للمطالبات المتكررة من ائمة الاوقاف بتحسين اوضاعهم المالية بهدف ضمان السيطرة على المساجد. فقد أصدر رئيس الوزراء شريف اسماعيل قرار رقم 3006 لسنة 2015  بصرف بدل بواقع 1000 جنيه شهرياً للأئمة المعينين بالأوقاف وعددهم ما يقرب من 45 الف امام  ممن يقومون بالخطابة الفعلية الملتزمين بكافة تعليمات الوزارة في شأن خطبة الجمعة وأداء الدروس الدينية. وقد نص القرار على الحق في حرمان الامام من البدل في حالة مخالفة تعليمات الوزارة بشأن خطبة الجمعة أو أداء الدروس الدينية او موضوع الخطبة، فيما خص وزير رالاوقاف  قيادات الوزارة ( رؤساء القطاعات - رؤساء الادارات المركزية - المديرون العام ) في القرار الوزاري رقم 294 لسنة 2016  بتعديل نسب الاجور الاضافية حيث تم زيادة الحد الأقصى لما يتقاضاه رؤساء القطاعات من جميع البدلات والمكافآت والإثابات إلى ضعف الأجر الشامل او عشرة الاف جنية ايهما اكبر ، او ضعف الاجر الشامل او ثمان الاف جنية ايهما اكبر  في حالة في حالة رؤساء الادارات المركزية، او ضعف الاجر الشامل او خمسة الاف جنية في حالة المدير العام. صدر هذا القرار بعد أيام قليلة من حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن حالة الفقر التى تعانى منها البلاد ودعوته للحكومة ومؤسسات الدولة بترشيد النفقات. بُرر القرار في ديباجته بسبب تحرير سعر الصرف وما تسبب عنه من غلاء معيشة وارتفاع الاسعار، فيما ابدي بعض ائمة الاوقاف اعتراضهم متسائلين حول ما اذا كانت اثار تحرير سعر الصرف قد طالت قيادات الوزارة فقط دون ان تمتد الي الائمة او الي موظفي الوزارات الأخرى، فيما يمكن ان يقرا كأحد استراتيجيات السيطرة علي قيادات الوزارة. في نفس السياق صدر قرار اخر بصرف بدلات اخري للأئمة المشاركين في القوافل الدعوية حيث تم زيادتها من 50 جنيه إلي 100 جنيه تتحمل الأوقاف 50 جنيه وتتحمل مشيخة الأزهر 50 جنيه.

 

في المقابل اطلق الازهر استراتيجية شاملة للتطوير والإصلاح وتجديد الخطاب الديني، كما تم إطلاق عدة برامج تليفزيونية دينية واجتماعية خلال شهر رمضان الماضي، كان على رأسها برنامج "الإمام الطيب" للدكتور أحمد الطيب، ليناقش عددا من القضايا الحياتية والفكرية ويقدم بالأساس نقدا مفصلا لحركات الاسلام السياسي (خوارج هذا العصر علي حسب وصفة ) وعلي رأسها داعش، إضافة إلى برامج لشباب دعاة الأزهر، ومسلسل حمل اسم " الأزهر"، مصحوبا  بحملة اعلانية ضخمة في شهر رمضان على غرار حملات  مسلسلات رمضان الاعلانية. وطرحَ الأزهر خلال العام 2016، استراتيجية شاملة للتطوير والإصلاح وتجديد الخطاب الديني “عبر تطوير كافَّة المناهج الدراسية في التعليم قبل الجامعي، وتحقيق انطلاقة قوية على صفحات التواصل الاجتماعي تستهدف الملايين حول العالم”. وتم أيضا تطوير آليَّة العمل بالمركز الإعلامي، والبوابة الإلكترونية، وإطلاق مركز الرصد والفتوى الإلكترونية (أون لاين) بلغات عدة، للإسهام في القضاء على فوضى الفتاوى، وغيرها من مجالات التطوير للقطاعات المختلفة ، مقابل الزي في الازهر

 

بيت الزكاة والصدقات أو التنمية بالتبرعات:

أما عن ملامح الاختلاف عن التسعينات، فيأتي على رأسها القانون الذى اصدره الرئيس السيسي واقره البرلمان بعد ذلك  ( قانون - رقم 123 - لسنة 2014 بشأن بيت الزكاة والصدقات ) والذى يؤسس لأول مرة بيت لجمع الزكاة والصدقات  تحت اشراف شيخ الازهر. ويهدف البيت الي  صرف أموال الزكاة والصدقات في وجوهها المقررة شرعاً، والتوعية بفريضة الزكاة ودورها في تنمية المجتمع. وقد خص القانون البيت بالعديد من الامتيازات، بالرغم من كون اموال البيت اموال خاصة لا تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات الا انه يتمتع بمزايا المال العام حيث لا يخضع لرقابة وزارة التضامن الاجتماعي مثل سائر الجمعيات الاهلية. وفي نفس الوقت فهو معفى  من رسوم التسجيل والقيد والرسوم الجمركية والدمغة، ومعفي من الضرائب بما فيها الضرائب العقارية. واعتبر القانون  التبرعات التي تقدم للبيت تكليفا على دخل المتبرع بما  لا يزيد عن 10 %، أي خصم التبرع من الوعاء الضريبي للمتبرع بما لا يزيد عن 10 % من هذا الوعاء. تصب كل هذه الامتيازات في حرمان الموازنة العامة سواء من ضرائب المتبرعين أو الرسوم المتنوعة والضرائب المتعلقة بالبيت نفسه، وفي المقابل يقوم البيت بمراقبة نفسة بما يؤشر لتضارب في المصالح. فيقوم البيت، مثلًا، باختيار احد مكاتب المحاسبة الخاصة المقيدة بجدول المحاسبين والمراجعين وبمقابل مالي بالطبع ويعرض تقريره على مجلس أمناء البيت، مما يثير الانتباه حول السلامة المالية والشفافية حيث يختار الطرف المراقب عليه الطرف المراقب وبمقابل مادي ويقدم الطرف المراقب تقريره للطرف المراقب عليه. ولأنه مال خاص ايضا  لا يخضع العاملين به لقانون الخدمة المدنية او  للحد الأقصى للأجور، ويصدر شيخ الأزهر منفردا  قرار بتشكيل مجلس امناء البيت الذي  هو السلطة المختصة بتسيير شئون البيت ويعاونه أمانة عامة، تشكل من أمين عام وعدد كافٍ من العاملين، يتم التعاقد معهم وفقاً لأحكام اللائحة الداخلية للبيت.

في السياق نفسه، لم تقترن التحولات الاقتصادية الليبرالية الجديدة التي شهدتها مصر فى الخمس سنوات الاخيرة  من حكم مبارك  بتحولات سياسية نحو مجال سياسي اكثر ديمقراطية من حيث حرية التنظيم والتظاهر،  حيث ظل قانون الطوارئ مثلا، مفعلًا حتى رحيل مبارك. فكان العمل الخيري أحد الحلول المؤقتة لتلطيف حدة الفقر واحتواء أي احتجاجات اجتماعية محتملة، الامر الذي كان له اثر مباشر على زيادة عدد الجمعيات التي تعمل في المجال الخيري. وبالطبع استغلت الحركات الاسلامية على تنوعها هذا الاحتياج المجتمعي لتبني شبكة واسعة من الجمعيات الخيرية التي تعمل على تقديم اعانات مالية ومواد غذائية بشكل شهري. ولم تعتمد هذه الجمعيات فقط على تمويلات أعضاءها، كما هو الحال في جماعة الاخوان على سبيل المثال، وانما عملت كوسيط ايضا بين دافعي الزكاة والصدقات الذين يشعرون بالثقة تجاه هذه الجمعيات نتيجة لدورهم الملحوظ وتواجدهم بشكل فعال بين المحتاجين من اهالي المناطق الفقيرة. [1]

تفاقمت الازمة الاقتصادية بعد الثورة واستمر التفاقم  بعد وصول الرئيس  السيسي للسلطة حيث تآكلت القوي الشرائية للافراد  بسبب وصول التضخم لمستويات مرتفعة، وانخفاض قيمة الجنية امام الدولار لمستويات غير مسبوقة، مع تفاقم العجز في الموازنة والدين العام الذي تخطى 100% من الناتج المحلي الاجمالي طبقا لبيانات المركزي مقارنةً بما يقارب 87% فى 2010 . انعكس ذلك كله في صورة خفض لمخصصات الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي فى ظل سياسات تقشفية غير مسبوقة وعدم قدرة الحكومة على  تحقيق الالتزام الدستوري تجاه موازنة الصحة والتعليم، وتعسر استراتيجية الحكومة فى جذب استثمارات اجنبية، وتباطؤ معدل النمو الذي بلغ متوسطة 2.1  فى المائة بين عامي 2011 و 2014. ومن هنا شكل الدور الذي يلعبه العمل الخيري لدى حكومات ما بعد الثورة، وخصوصًا عقب انتخاب السيسي، امر  لايمكن التراجع عنه ، وقد عبر الرئيس السيسى فى اكثر من مره في أحاديثه عن دعوة المواطنين للتبرع لصندوق تحيا مصر الذي انشأ هو الاخر بقانون  بالتوازي مع بيت الزكاة والصدقات،  مما يشير الى رسوخ هذه القناعة لدى هذه الحكومات باهمية الدور الذي يمكن ان تلعبه تلك التبرعات التي وصلت في رمضان 2015 مثلا الى 30 مليار وفقا للارقام الرسمية وقد قدر الامين العام لبيت الزكاة أموال الزكاة فقط ب 15 مليار في العام.

شجع ذلك الحكومة الحالية على الدخول الى هذا المجال عبر قنوات رسمية ومحاولة توجيه هذه التبرعات لصالح بعض المشروعات القومية حيث قام البيت بالتعاقد مع وزارة الاسكان لسداد تكلفة توصيلات مياة الشرب والصرف الصحي لبعض القري. وللمساهمة في تعويض انخفاض الانفاق على الصحة قام البيت بالتعاقد مع وزارة الصحة وشركات الادوية لعلاج 10 الاف مريض بفيروس سي وتوفير الادوية لهم، والتعاقد مع المستشفيات الجامعية للحالات التي يصدر لها البيت علاج على نفقته، او يجري لها عمليات خاصة،   مما يساعد من جهة  على خفض التكاليف السياسية والاجتماعية للسلطوية الحالية فى ظل مجال سياسي مغلق عبر قبضة امنية واخرى تشريعية ( قانون التظاهر مثلًا). ويعمل بيت الزكاة والصدقات من جهة  اخري على تعويض الدور الاجتماعى التى كانت تقوم به كثير من الجمعيات الخيرية المحسوبة على أو المرتبطة بجماعة الاخوان المسلمين والتى  شنت الاجهزة الامنية مع وزارة التضامن الاجتماعية حملة شرسة عليها وتم اغلاق معظمها، حيث يتم صرف رواتب شهرية  ل 70 الف اسرة، والمشاركة فى الافراج عن بعض الغارمين. وعلى نفس المنوال طرحت ايضا وزارة الاوقاف صكوك اضحية فى عيد الاضحى الماضي  وصلت تكلفتها 12 مليون جنية واستفادت منها 200 ألف أسرة.

في المقابل وعقب صدور حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بتاريخ 23/ 9/ 2013 في الدعوى رقم 2315 لسنة 2013 الخاص بحظر الأنشطة والتحفظ على أموال وممتلكات تنظيم جماعة الإخوان؛ اصدر رئيس مجلس الوزراء قرار رقم 1141 لسنة 2013 والخاص بتشكيل لجنة لإدارة أموال الجمعيات المحظورة التابعة لجماعة الإخوان المحظورة تنفيذًا للحكم المشار إليه. وفي اوائل 2016 اعلنت اللجنة انها قامت بالتحفظ علي ما يقرب من 1125 جمعية أهلية تابعة للإخوان [1]، كان علي رأس هذه الجمعيات الجمعية الطبية الإسلامية والتي تشمل ما يقرب 30 مستشفى ومستوصفا بـ7 محافظات هي الإسماعيلية والقليوبية والمنوفية والبحيرة والجيزة والقاهرة [2] ، وكانت اللجنة قد اصدرت قرارها بعزل مجلس الإدارة القائم وتعيين مجلس إدارة جديد برئاسة الدكتور على جمعة عضو هيئة كبار العلماء والمفتي السابق.

 

الأزهر والاوقاف كأجهزة ايدولوجية واعادة انتاج السلطوية:

ربما من المفيد في ضوء الاستعراض السابق النظر الى علاقة المؤسسات الدينية (الازهر والاوقاف ) بالسلطة من خلال اطروحة الفيلسوف الماركسي لويس التوسير " الايدولوجية واجهزة الدولة الأيدولوجية “. فسر التوسير حاجة أي نظام اقتصادي الي اعادة انتاج شروط انتاجه الخاصة،  بما فى ذلك اعادة انتاج الأفراد لكي يصبحوا جاهزين للانخراط في نمط الانتاج السائد. وتنعقد هذه المهمة، أي تشكيل الذوات كمواطنين، على الاجهزة الايدولوجية للدولة بما فيها المؤسسات الدينية. ويلاحظ التوسير ان ايديولوجيا  ما تستطبنها هذه الاجهزة وتعمل الاجهزة بتنوعها المختلف على تثبيتها. ففي الحالة المصرية مثلًا، يعمل الازهر كبؤرة لإعادة انتاج الهوية ( الوسطية - المركب الديني داخل الوطنية المصرية، الإسلام المصري… إلخ ) وظيفتها انتاج اجساد سياسية مؤدلجة. والجسد هنا حامل للذاكرة ومتبنى لخطاب السلطة وفاعلا مفوضا في عملية الانتاج. ومن هنا ربما نستطيع ان نفهم كيف ان استثمار الدولة  فى الانفاق على الأزهر والاوقاف يؤمن شرعيتها ليس من جانب الاسلاميين فقط وإنما ايضا من جانب اى اضطرابات اجتماعية أوسع، حيث يعمل الازهر والاوقاف على  انتاج خطاب إيديولوجي ( الايدولوجية لدى التوسير هي الطريقة المتخيلة التى يزاول الناس فيها حياتهم الواقعية ، أي التمثيل المثالي لعملية مادية ) يبرر الاستغلال الاجتماعي الحادث، المقترن في الحالة المصرية بتردى الاوضاع الاقتصادية بشكل عام. فعلى سبيل المثال خصصت وزارة الأوقاف خطبتها الموحدة بقرار وزير الاوقاف عقب غرق احد مراكب الهجرة لموضوع " خطورة الهجرة غير الشرعية " حيث تناولت موضوع الهجرة كتحول إيجابي نحو البناء والتعمير وكريم الأخلاق، مؤكدة أنه لا مجال للهجرة غير الشرعية في الإسلام. ومن جهة اخري يعمل العمل الخيرى على تخفيف الاثار الاجتماعية للسطوية، حيث يشكل بيت الزكاة والصدقات في حالتنا، عودة في سياق جديد وبشكل مختلف لدور الأزهر الاجتماعي والذي فقده عبر سنوات من السيطرة عليه وعلى اوقافه.

العلاقة تبادلية إذن بين الازهر وأجهزة الدولة الأخرى حيث تقتضي تسهيل  هيمنة الازهر  على المجال الديني في مواجهة الاسلاميين ان يقوم  بسد فراغ دورهم الاجتماعي مما يزيد من راس مالة الاجتماعي والرمزي بالتبعية. و يلزم لتبرير ودعم سياسات النخبة الحاكمة الحالية  الارتكاز على رأس مال الأزهر ودار الافتاء الرمزى حيث اخرجت دار الافتاء فتوي تبيح وتشجع المواطنين على اخراج زكاتهم وصدقاتهم لصالح صندوق تحيا مصر.

بالطبع لا نستطيع ان نعزو استثمار الدولة في الانفاق على المؤسسات الدينية او توظيفها فى العمل الخيري كسببين وحيديين للاستقرار النسبى التى تنعم به السلطوية الحالية، وانما حاولنا ان نري كيف تحاول السلطة توظيف هذه المؤسسات في ضوء مجال ديني تنافسي الطابع. ومن هنا يمكن أن نفهم التوقعات المرتفعة من قبل مؤسسة الرئاسة التي بدأنا بها التعليق. وليس مستغربًا بعد كل هذه النفقات والتسهيلات أن يشكو رئيس الجمهورية علنًا من درجة تجاوب شيخ الأزهر - والذي يبدو أن دوره لا يحظى بالتقدير الكافي من قبل مؤسسة الرئاسة- قائلًا: تعبتني يا فضيلة الإمام! 

 

 

 SHAPE  \* MERGEFORMAT

[1] . مصر: التحفظ على 62 شركة وأكثر من ألف جمعية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، فرانس 24، http://www.france24.com/ar/20160124-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A3%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%84-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%88%D9%86-%D8%AC%D9%85%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%B4%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA

 

[2] . إبراهيم قاسم ونورهان حسن ومحمد العالم، ننشر أسماء مستشفيات الجمعية الطبية الإسلامية المتحفظ عليها، اليوم السابع

http://www.youm7.com/story/2015/1/14/%D9%86%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D9%81%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D9%81%D8%B8-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%D8%A7/2026984

 

[3] . بلال عبدالله، الأزهر ونظام السيسي: الجذور المؤسِّسَة للخلاف، مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الاوسط

http://www.achariricenter.org/al-azhar-and-sisis-regime-ar/?utm_content=buffer372f0&utm_medium=social&utm_source=facebook.com&utm_campaign=buffer