مسار جديد للقضاء على نصوص التمييز في عقوبة الزنا بالتشريع المصري

محمد نابليون

الأحد 10 يناير 2021

في يونيو 2020 أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكما مهما بعدم دستورية ما تضمنه نص المادة 276 من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 من "قصر الدليل الذي يُقبل ويكون حجة على المتهم في جريمة الزنا على حالة وجوده في منزل مسلم" باعتبارها تمييزا غير دستوري، يضفي به النص على مسكن المُسلم حماية ينكرها على مسكن غير المسلم، ويقر لصاحب المسكن المُسلم بحرمة لا يختص بها مسكن أصحاب الديانات الأخرى.

وفي معرض حيثياتها قالت المحكمة إن "تمييز منزل المُسلم عن منزل غير المُسلم، في هذه الحالة، هو تمييز قائم على أساس الدين، دون مبرر موضوعي لهذه المفارقة. وكان الدستور قد حظر على نحو جازم كافة صور التمييز بين المواطنين، وخص من بينهــا التمييز بسبب الدين، أو العقيدة، لما لهذه الصورة أو تلك من أهمية عظمى تمثل إحدى القيم الجوهرية التي تؤمن بها المجتمعات المتحضرة".

بهذه العبارات الصريحة أنهت المحكمة الدستورية تمييزا على أساس الدين شاب أحد أركان جريمة الزنا لأكثر من قرن في التشريع المصري.

وفي ديسمبر 2020 أصدرت محكمة جنوب بنها الابتدائية، حكما هو الأول من نوعه -من حيث التسبيب والحيثيات- لتفتح الطريق للقضاء على وجه آخر للتمييز في أركان جريمة الزنا والعقوبة عليها، ولكن على أساس الجنس لا الدين.

حيث أحالت المادتين 274 و276 من قانون العقوبات، للمحكمة الدستورية العليا لما تتضمناه من تمييز في الجزاء العقابي لكل من الزوجة المدانة بالزنا والزوج المدان من ناحية، واختلاف الأدلة اللازمة لإثبات جريمة الزنا على كل منهما من ناحية أخرى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحال فيها المادتان -وبصفة خاصة المادة 274- للمحكمة الدستورية العليا، لكنها لم يسبق وأخضعت المادتين للبحث الموضوعي من زاوية التمييز بين الجنسين.

وتنص المادة 274 من قانون العقوبات على أن «المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين لكن لزوجها أن يقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت».

وتنص المادة 276 من القانون على أن «الأدلة التي تقبل أن تكون حجة على المتهم بالزنا هي القبض عليه حين تلبسه بالفعل أو اعترافه أو وجود مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة منه أو وجوده في منزل مسلم (المنزل فقط وفقا لحكم الدستورية الأخير) في المحل المخصص للحريم».

وفي فبراير 1990 أصدرت المحكمة الدستورية حكما برفض الطعن على دستورية المواد 40 و 41 و 273 و274 و 275 و276 من قانون العقوبات، والتي كانت محكمة ميت غمر بالدقهلية قد ارتأت عند تصديها لقضية زنا وجود شبهة عدم دستورية بها، استناداً إلى أن هذه المواد تعاقب الزوجة الزانية هي وشريكها بالحبس، وتعلق ذلك على تقديم طلب من الزوج، وتحدد الأدلة التي يجوز قبولها حجة على المتهم بالزنا، وأنها بذلك تخالف مبادئ الشريعة الإسلامية التي أصبحت طبقاً للمادة الثانية من الدستور عام 1980 المصدر الرئيسي للتشريع, وذلك باعتبار أن الزنا من جرائم الحدود التي بينت الشريعة الإسلامية أركانها وكيفية إثباتها، والعقوبة المقدرة لها والحالات التي يمتنع فيها توقيع الحد أو تؤدي إلى إسقاطه.

وردت المحكمة على هذه الشبهة دون مناقشة صلب دستوريتها من الناحية الدينية والشرعية حتى على ضوء المادة الثانية، حيث رفضت الدعوى فقط لأن النصوص التشريعية المشار إليها صدرت عام 1937 أي قبل وضع المادة الثانية عام 1971 ثم تعديلها عام 1980 منتهية إلى أن إحالتها بحجة مخالفة المادة الثانية "يكون في غير محله" "أيا كان وجه الرأي فى تعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية" بحسب نص الحكم.

وفي يوليو 2020 قضت المحكمة الدستورية بعدم قبول دعوى تطالب الحكم بعدم دستورية نصى المادتين 274 و277 بسبب التمييز بين الجنسين أيضا، حيث استجابت محكمة الموضوع لدفع زوجة متهمة في قضية زنا أقامتها زوجة شريكها في الجريمة لإحالة المادتين للدستورية، مع إثيات تنازل زوج المتهمة عن شكواه ضدها.

وسببت المحكمة عدم القبول بأن حق الزوجة في تحريك الدعوى الجنائية ضد زوجها لارتكابة جريمة الزنا لا يجعلها طرفا في الدعوى الجنائية التي تنعقد بين النيابة العامة والمتهمين، إذ تغدو دعواها مدنية بحتة، وأن القضاء فى دستورية المادتين لا يؤثر على طلبـات المدعية فى دعواهـا المدنية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، ولا يتحقق من ورائه فائدة عملية لها، لعدم ارتباطهما بدعواها المدنية، التي تستهدف بها إثارة المسئولية المدنية جراء ما أصابها من أضرار، وهى مسئولية تستقل فى عناصرها، وطرق إثباتها، عن المسئولية الجنائية، مما تنتفي معه مصلحة المدعية.

وبالتالي فإن الحكمين السابقين لا يمثلان قيدا على إمكانية إعادة المحكمة نظر دستورية المادتين 274 و276 على ضوء الحكم الأخير من جنوب بنها، لإثارته عوارا دستوريا مختلفا عن مسألة التوافق مع الشريعة الإسلامية، ولتعلقه بواقعة ربما يتغير الحكم الجنائي فيها إذا صدر حكم بعدم الدستورية.

أوجه الطعن في المادتين 

الحكم الذي أصدرته دائرة الجنح المستأنفة الثانية بجنوب بنها برئاسة المستشار أحمد وسام قنديل، أوضح أن المادة 274 الخاصة بإقرار الجزاء العقابي للمرأة المتزوجة التي يثبت ارتكابها لجريمة الزنا، فرَق دون مبرر موضوعي بين موقف الزوجة المتهمة بالزنا وموقف الزوج المتهم بالزنا، بأن أطلق العنان لجريمة الزوجة فجعل قيامها ممكنًا في أي مكان، بينما اشترط القانون في المادة 277 منه - لقيامها في حق الزوج أن يكون ارتكبها في منزل الزوجية دون سواه وأباح له ارتكابها في غيره بل أعفاه من جريمتها من الأساس.

ثم إن النص قرر عقوبة جنائية للزوجة التي يثبت زناها تفوق في مداها وحدودها العقوبة التي قررها القانون – في المادة 277 منه - للزوج الذي يثبت زناه، فجعل عقوبة الزوجة الحبس الذي تصل مدته لسنتين بينما جعل عقوبة الزوج الحبس الذي لا تزيد مدته عن ستة أشهر.

وأضافت المحكمة أن اشتراط ارتكاب الزوج للزنا في منزل الزوجية لمعاقبته ليس من السهل تفسيره؛ فلا شك أن ارتكاب الزنا في منزل الزوجية هو ظرف مشدد للجريمة، وأن الزوج الذي بعد أن قطع روابط الزوجية لا يراعى واجب اللياقة نحو زوجته لدرجة أن يقيم لها منافسة في منزل الزوجية يستحق –عدلاً- أن يعاقب بعقوبة أشد، إلا أنه ليس هناك من سبب يدعو لجعل هذا الظرف شرطاً للعقاب بحيث لا يُعتبر زنا الزوج جريمة إلا إذا وقع في منزل الزوجية، وأنه إذا صح أن المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة من حيث تكوين جريمة الزنا لا تتفق وقوانين الطبيعة البشرية وحالة الرأي العام، فإن عدم المساواة في العقوبة بين الزوج الذي يزني في منزل الزوجية والزوجة التي تزني في أي مكان آخر هو أمر لا مبرر له.

أما المادة 276 فقالت عنها المحكمة إنها تفرق دون مبرر موضوعي أيضاً بين موقف الزوجة المتهمة بالزنا وبين موقف شريكها في الجريمة بأن قررت للشريك ضمانات حجبتها عن الزوجة، فقيد سلطة الاتهام في تحريك الدعوى الجنائية ضد الرجل ما لم يتوفر أحد الأدلة التي أوردها في النص، وقيد من بعدها سلطة المحكمة في القضاء بإدانته في حالة عدم وجودها، في الوقت الذي أطلق فيه العنان لسلطتي الاتهام والمحاكمة لإثبات جريمة الزوجة والقضاء بإدانتها بكافة طرق الإثبات،روكان كل منهما يستمد إجرامه من الآخر، وما كانت لترتكب الجريمة بأحدهما منفرداً.

ومن ثم؛ فدور الشريك في جريمة الزنا لا يقل أهمية عن دور الفاعل الأصلي فيها على اعتبار أنها من جرائم الفاعل المتعدد والتي لا يُتصور حدوثها بفاعل وحيد دون أن يتلقى المساعدة من غيره، فكلاهما عنصران لازمان لا ينفكان عن بعضهما البعض لارتكاب الفعل المادي للجريمة، ويكوَنان معًا وحدة عضوية تتكامل بها أركان الجريمة بجميع أجزائها، فلا تقوم الجريمة إلا باجتماعهما معًا.

وأوضحت المحكمة أن المادة 274 شرّعت حقًا لسلطة الاتهام، ومن بعدها للمحكمة الجنائية، في تحري أركان جريمة الزوجة الزانية في أي مكان ترتكبها فيه، ثم توقيع عقوبة جنائية عليها تصل مدتها للحبس سنتين، في الوقت الذي غلً المشرع يد النيابة العامة ومن بعدها المحكمة الجنائية عن إقامة الدعوى الجنائية علة الزوج الزاني إذا ارتكب جريمته في غير منزل الزوجية (المادة 277)، فإذا أُثبت عليه جرمه كان عقوبته لا تتعدى الحبس لمدة 6 أشهر، وكان من شأن هذا التفرقة تمييز الخليل بمزية أنكرها على خليلته، وهو تمييز لا يستند إلى أسس موضوعية تبرره، مهدراً لمبدأ المساواة المتصدر لباب الحقوق العامة في الدستور دون مبرر موضوعي يبيح للمشرع انتهاج مثل هذا التمييز، بين فاعليَ الجريمة وطرفيها في ظل إبهام الغاية التي تغياها المشرع من وراءه والتي لا يبدو منها ما يدعو لحمله والنهوض به.

وبالتالي فقد أنشأ النصان حقوقاً مبتدأة بعيدة عن مداها، منحا أولهما للزوج المتهم بالزنا دون الزوجة المتهمة، ومنحا ثانيهما لأحد فاعلي الجريمة دون رفيقته في ارتكابها، حيث اختصا الزوج الرجل والشريك الرجل دون مسوغ، واصطفياهما في غير ضرورة، بتلك المعاملة التفضيلية التي لا يبدو فيها أية منفعة مجلوبة تبرر المثابرة على مخاطر المفاسد المترتبة عليها ودرء عواقبها، حال أن دفع المضرة أولى اتقاءً لسوءاتها وشرورها، ولأن الأصل حين تتزاحم الأضرار على محل واحد، أن يكون تحمل أخفها، لازماً دفعا لأفدحها.

ومن هذه المطاعن تخالف المادتان أحكام المواد (4) و (11) و (53) من الدستور، التي أوجبت ثانيها على الدولة بجميع سلطاتها تحقيق المساواة التامة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق المدنية والاجتماعية والتي ينبثق منها حقها في الحصول على ضمانات المحاكمة الجنائية نفسها التي يحظى بها الرجل المتهم بالجريمة ذاتها، بينما حظرت آخرها، على نحو جازم، كافة صور التمييز بين المواطنين، وفي مقدمتها التمييز بسبب الجنس، والذي كان من الأهمية بأن وضع مباشرةً بعد التمييز بسبب الدين أو العقيدة، لما لهذه الصورة من أهمية عظمى تمثل إحدى القيم الجوهرية التي تؤمن بها المجتمعات المتحضرة، وحرصت على التأكيد عليها في المواثيق الدولية.