الحكم القضائى كعقبة فى تنفيذ أحكام وقرارات المحكمة الدستورية العليا

المستشار د. طارق عبدالقادر

الأربعاء 20 يناير 2021

* الكاتب: المستشار الدكتور طارق محمد عبدالقادر - الرئيس بهيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية العليا

** تنشر "منشورات قانونية" هذه الورقة بإذن خاص من الكاتب وسبق نشرها بالعدد السابع والعشرين من مجلة المحكمة الدستورية العليا.

توطئة:-

حرص الدستور الحالى الصادر عام 2014، على تأكيد ولاية المحكمة الدستورية العليا، بنظر المنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها وقراراتها، والتى تحوز حجية مطلقة بالنسبة للكافة ولجميع سلطات الدولة، إذ نص الدستور في المادة (192) منه على أن "تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة على دستورية القوانين واللوائح، وتفسير النصوص التشريعية والفصل فى  المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها....، والمنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها والقرارات الصادرة منها...." كما نصت المادة (195) من الدستور، فى فقرتها الأولى على أن "تُنشر فى الجريدة الرسمية الأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، وهى ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم".

وقد كانت ولاية المحكمة الدستورية العليا، بنظر المنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها وقرارتها، مقررة منذ العمل بقانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، إذ جرى نص المادة (50) منها على أن "تفصل المحكمة دون غيرها فى كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها، وتسرى على هذه المنازعات الأحكام المقررة فى قانون المرافعات المدنية والتجارية بما لا يتعارض وطبيعة اختصاص المحكمة والأوضاع المقررة أمامها.

ولا يترتب على رفع المنازعة وقف التنفيذ ما لم تأمر المحكمة بذلك حتى الفصل فى المنازعة".

فأصبحت المحكمة الدستورية العليا، تستمد ولايتها فى مباشرة هذا الاختصاص من الدستور والقانون معاً، لا تشاركها فى مباشرته جهة قضائية أخرى، باعتبار أن الدستور الحالى، حرص على تحديد الولاية القضائية لكل جهة فى صلب أحكامه، منعاً من تدخل المشرع العادى فى هذا التحديد، أو افتئات جهة قضائية على الأخرى، فى مباشرة ولايتها القضائية، التى حددها المشرع الدستورى، باعتبار أن الاختصاص المقرر دستوريَّا لأية جهة من جهات القضاء، ليس محض حق لهذه الجهة أو تلك، وإنما هو ولاية خولها إيّاها الدستور، والتى قدر من خلال أحكامه، أنها الأجدر بنظر المنازعات التى عينها([1]).

ولا مراء فيما تقدم، ذلك أن هذه المحكمة - فى حدود ولايتها- لها قول الفصل فى التفسير النهائى لأحكام الدستور، وأحكامها فى ذلك نهائية لا يراجعها أحد فيها، فإذا عطل تنفيذ أحكامها عائق من عوائق التنفيذ- وحجية أحكامها متعدية إلى الناس كافة، وإلى السلطة بكل تنظيماتها- دل ذلك على إفراغ ولايتها- فى مجال الرقابة الدستورية - من مضمونها، باعتبار أن هذه المحكمة تمسك بيدها- وحدها- زمام الرقابة الدستورية، كى تصوغ بنفسها- وعلى ما جرى به قضاؤها- معاييرها ومناهجها، وتوازن من خلالها، بين المصالح المثارة على اختلافها، وتتولى - دون غيرها- بناء الوحدة العضوية لأحكام الدستور، بما يكفل تكاملها وتجانسها، ويحول دون تفرق وجهات النظر من حولها، وتباين مناحى الاجتهاد فيها"([2]).  

والأمر ذاته، ينطبق فى شأن القرارات التى تصدرها المحكمة الدستورية العليا فى شأن التفسير التشريعى، والتى تتوخى من خلالها، ضمان توحيد تفسير النصوص التشريعية المتنازع على دلالتها بعد تطبيقها، وقراراتها الصادر فى هذا الشأن، تقيد السلطات كلها، والناس جميعهم، بما يلزمهم بتطبيق القاعدة القانونية، على النحو الذى فسرته به المحكمة الدستورية العليا، فلا يدخل أحد عليها عناصر جديدة تغيير من مضمونها، أو تردها إلى غير الدائرة التى تعمل فى نطاقها. ذلك أن قرار المحكمة الدستورية العليا، فى شأن النصوص التى فسرتها، يحدد دلالتها تحديداً جازماً لا رجوع فيه، ليندمج هذا القرار فى تلك النصوص، باعتباره جزءاً منها لا يتجزأ، وواجباً تطبيقه منذ نفاذه. ومن ثم يعتبر النص المفسر، وكأنه صدر ابتداء، بالمعنى الذى حدده قرار التفسير بأثر رجعى([3]). 

وعلى هذا الأساس، فإنه يناقض استقلال هذه المحكمة، أن تتولى السلطتين التشريعية والتنفيذية، التدخل في تنفيذ أحكامها وقراراتها، سواء من خلال تحوير مضمونها، أو إسقاط حجيتها، أو عن طريق إرجاء إعمال الآثار القانونية المترتبة عليها. كما يناقض استقلالها – أيضاً- أن تتولى محاكم الموضوع - بعد استنفاد دورها في إعمال آثار أحكام المحكمة الدستورية العليا– إهدار حجية أحكامها وقراراتها، أو إعمال تلك الآثار، بما يناقض صحيح أحكامها وقراراتها، على نحو يفرغها من مضمونها، إذ تمثل تلك الأحكام - عندئذ- عدوان على ولاية المحكمة الدستورية العليا.

وفى مواجهة هذه العوائق جميعها، يكون بيد المحكمة الدستورية العليا- دون غيرها-، السلطة الكاملة التى تزيلها بها. فلا يصير لها بعد تدخلها- ومن خلال منازعة التنفيذ التى يطرحها عليها كل ذى شأن- من وجود، ذلك أن عوائق التنفيذ هذه، إنما تحول بمضمونها أو أبعادها، دون اكتمال الحكم الصادر في المسائل الدستورية لمداه، فلا تتصل حلقاته ببعضها، ولا تتضامم فيما بينها، ليفقد الحكم جدواه من خلال تعطيل جريان آثاره بتمامها دون نقصان.

وعوائق التنفيذ هذه، هى التى حرص قانون المحكمة الدستورية العليا، بنص مادته الخمسين على هدمها، وإنهاء الآثار القانونية التى أحدثتها، لضمان العودة بالتنفيذ إلى حالته السابقة على نشوئها، وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا هذا المعنى فى أحكامها، فذهبت إلى "أن تدخلها لإزاحة عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها فى الدعاوى الدستورية؛ وتنال من جريـان آثارها؛ إنما يفترض أن تكون هذه العوائق- سواء بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها- قد حالت فعلاً، أو من شأنها أن تحول دون تنفيذ أحكامها تنفيذاً صحيحاً مكتملاً، أو مقيدة لنطاقها، على أن يكون مفهوماً أن التنفيذ لا يبلغ غايته، إلا إذا كان كافلاً انسحاب أثر الحكم إلى يوم صدور النص المقضى بإبطاله؛ فإذا أعاق انسيابه أى عارض، ولو كان تشريعاً، أو حكماً قضائياً، أو قراراً إدارياً، أو عملاً مادياً؛ جاز لهذه المحكمـة التدخل لترفع من طريقه ذلك العارض، وسبيلها إلى ذلك- تعينها عليه سلطات الدولة كل فى مجال اختصاصها- بالأمر بالمضى فى تنفيذ الحكم بعدم الدستورية، وعدم الاعتداد بذلك الحائل الذى عطَّل مجراه".([4])

ويبين مما تقدم، أن عوائق التنفيذ، قد تتعدد صورها في قضاء المحكمة الدستورية العليا، فيندرج فيها،- وعلى ما جرى به قضاؤها- أن يكون مصدر هذه العوائق، قانون، أقرته السلطة التشريعية، ينال من التنفيذ في حقيقته ومضمونه، ويعطل البدء فيه، أو استكمال بدايته"([5])، أو "أن يتبنى المشرع بتشريع جديد، ذات أحكام نص تشريعى، سبق لهذه المحكمة القضاء بعدم دستوريته، أو أن تستمر السلطة التنفيذية فى إعمال حكم نص تشريعى، سبق للمحكمة – استناداً للأحكام الموضوعية فى الدستور– إبطال نص مطابق له فى النطاق عينه، وموجه للمخاطبين به أنفسهم، بحجة أنه نص جديد مستترة فى ذلك، وراء فكرة استقلال النصوص القانونية؛ إذ لا يعدو أن يكون ذلك تحايلاً على أحكام الشرعية الدستورية، ومن ثم يعتبر هذا التشريع الجديد أو ما يصدر من قرارات تنفيذاً له، عقبة من عقبات التنفيذ، ويجوز لهذه المحكمة- عندئذ- أن تعمل ما خولته إياها المادة (27) من قانونها، فى التصدى لدستورية النص الجديد، الذى عرض لها بمناسبة نظرها منازعة التنفيذ المطروحة عليها لاتصاله بها، وذلك بعد إتباع الإجراءات المقررة لتحضير الدعوى الدستورية".([6])

ويندرج تحتها- أيضاً- أن يتمثل عائق التنفيذ، في قرار يصدر عن جهة الإدارة، بالمخالفة لحجية أحكام المحكمة الدستورية العليا، وعندئذ ينعدم هذا القرار، ويعامل باعتباره مجرد عقبة مادية لا تولد آثار قانونية، ولكل ذى شأن أن يتجاهلها، وأن يدفعها بما يراه من التدابير. ذلك أن العدم نقيض الوجود. ويستحيل إحياء العدم من جديد، إذ الساقط لا يعود. ([7])

   ويندرج ضمن عوائق التنفيذ- كذلك- الأحكام القضائية الباتة، التى تخالف مقتضى الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، إعمالاً لنص المادة (195) من الدستور الحالى، والمادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، وهنا تكمن اشكالية هذا البحث، فأحكام المحكمة الدستورية العليا، تحوز حجية مطلقة على الكافة بما فيها المحاكم القضائية، وفى نفس الحين، فإن احترام حجية الأحكام القضائية أمر تمليه اعتبارات مبدأ سيادة القانون، ومن ثم لا يسوغ المساس بحجيتها، بعد أن صار الطعن فيها ممتنعاً، إلا أن المحكمة الدستورية العليا استقر قضاؤها فى هذا الشأن، على "أن المشرع الدستورى، قد وسد إليها– وحدها دون غيرها- الاختصاص بإزاحة العقبات التى تعترض تنفيذ أحكامها وقراراتها، حتى ولو كان هذا العائق، حكماً قضائياً باتاً، إذ يشكل– عندئذ– عقبة مادية هى والعدم سواء، تسوغ لها التدخل في إزاحتها".([8])

ولكن ما هى العلة من اشتراط أن يكون الحكم المنازع في تنفيذه، قد صار باتاً.

تؤكد المحكمة الدستورية العليا، فى أحكامها على أن الأحكام القضائية التى تعترض تنفيذ أحكامها، ينبغى أن تكون قد حسمت موضوع النزاع([9])، وصار الحكم الصادر فيها باتاً، إما باستنفاد طرق الطعن عليه، أو بفوات مواعيد الطعن المقررة قانوناً ([10])، أو من خلال صدوره في حدود النصاب الإنتهائى، وانغلقت سبل الطعن عليه([11]) ففى جميع تلك الأحوال، تستنفد محاكم الموضوع – عندئذ- اختصاصها فى إعمال آثار أحكام المحكمة الدستورية العليا، وباستغلاق طرق الطعن المقررة، يضحى اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا، هو الملاذ الأخير لتصحيح المسار الذى مضت فيه التطبيقات القضائية، من خلال التدخل لإزاحة عقبات التنفيذ التى تعترض تنفيذ أحكامها، بالمضى فى تنفيذ الحكم الصادر بعدم الدستورية، وعدم الاعتداد بذلك العائق، إذ يصبح الحكم المنازع فى تنفيذه – حالئذ- عقبة مادية هى والعدم سواء، بما يستوجب التدخل لإزاحتها من قبل المحكمة الدستورية العليا.

ويعنينا بالأساس في هذه الدراسة، النمط الأخير من أنماط منازعات التنفيذ، المتعلق بمخالفة الأحكام القضائية الباتة، للحجية المطلقة المقررة لأحكام وقرارات المحكمة الدستورية العليا، أو إعمال آثارها، على نحو يناقض صحيح أحكامها وقراراتها، ويفرغها من مضمونها، بما يشكل عدوان على ولايتها التى منحها إليها الدستور، فتتدخل المحكمة الدستورية العليا، لإزاحة عقبات التنفيذ التى تعترضها في هذه الحالة، عملاً بنصوص الدستور والقانون معاً.

وسنحاول في هذه الدراسة، تبيان دور المحكمة الدستورية العليا، في التعرض للأحكام القضائية، كعقبة من عقبات التنفيذ التى تعترض تنفيذ أحكامها وقراراتها، من خلال تناول الأمور الآتية أولاً: الآراء الفقهية التى سيقت في خصوص الدور الذى تضطلع به المحكمة فى هذا الصدد، ثانياً: الضوابط الذاتية التى وضعتها المحكمة الدستورية العليا، حال مباشرتها لاختصاصها في إزاحة عقبات التنفيذ التى تعترض تنفيذ أحكامها وقراراتها، ثالثاً: اشكاليات الحجية المطلقة للأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، في ضوء العمل بأحكام دستور عام 2014، وانعكاسها على دعاوى منازعات التنفيذ التى تعترض تنفيذ أحكام وقرارات المحكمة الدستورية العليا، باعتبارها تدور وجوداً وعدما،ً مع نطاق حجيتها، ثم نتعرض أخيراً: للآثار المترتبة على صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا بإزاحة عقبات التنفيذ، والاستمرار والمضى في تنفيذ أحكامها، عملاً بنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.

 

أولاً: عرض الآراء الفقهية التى تعرضت للدور الذى تؤديه المحكمة الدستورية العليا فى شأن منازعة التنفيذ، المتعلقة بالأحكام القضائية الباتة، التى تعترض تنفيذ أحكامها.     

تناول الفقه بالتحليل الدور الذى تؤديه المحكمة الدستورية العليا، فى منازعات التنفيذ، التى تعترض تنفيذ أحكامها، طبقاً لنص المادة (50) من قانونها، وقد انتقد جانب منه([12]) تعرض المحكمة الدستورية العليا، للأحكام القضائية الباتة، باعتبارها عقبات مادية، تحول دون تنفيذ الأحكام الصادرة منها، على الرغم من كونها أحكاماً باتة، تحوز قوة الأمر المقضى به، وتعد عنواناً للحقيقة، وهو ما لا يسوغ قانوناً التعرض لها بالطعن من أى جهة كانت، باعتبار أن ذلك، سيؤدى إلى قيام نوع من التوتر فى العلاقة القائمة بين المحكمة الدستورية العليا، وغيرها من المحاكم العليا الأخرى، ذلك أن مباشرة المحكمة الدستورية العليا لهذا الاختصاص، سيجعلها سلطة قضائية أعلى من محكمتى النقض والإدارية العليا، بالمخالفة لمدارج الترتيب الهرمى للمحاكم، وهو ما سيؤدى إلى اضطراب النظام القضائى، سيما وأن المحكمة الدستورية العليا ذاتها، أكدت على اختصاص محاكم الموضوع بتحديد آثار حكمها، وترتيبًا على ذلك، ذهب أنصار هذا الرأى، إلى إنه لا يسوغ اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا، للمنازعة فى تنفيذ أحكامها من خلال إهدار الأحكام القضائية الباتة، لأن هذه الأحكام، إذا فقدت احترامها من المحكمة الدستورية العليا، فلن تجد احتراماً من السلطات الأخرى، وينهار أحد أهم الأسس الشرعية فى المجتمع، وهو ضرورة تنفيذ الأحكام القضائية.

فى حين ارتأى البعض الآخر، أن المحكمة الدستورية العليا، حال مباشرتها لاختصاصها بنظر منازعات التنفيذ التى تعوق إعمال آثار حكمها، طبقًا لنص المادة (50) من قانونها، تمارس نوعًا من الرقابة الدستورية على الأحكام القضائية([13]) من خلال إزالتها العوائق التى تحول قانونًا دون تنفيذ مقتض أحكامها تنفيذًا صحيحًا – سواء اعتبرت هذه العوائق بطبيعتها أو بالنظر إلى نتائجها – حائلة دون تنفيذ أحكامها أو مقيدة لنطاقها؛ ومن هذا المنطلق اعتبرت المحكمة الدستورية العليا، العديد من الأحكام القضائية – ولو كانت باتة – عقبة فى تنفيذ مقتضى أحكامها، وعمدت إلى المضى والاستمرار فى تنفيذ أحكامها التزامًا بأحكام الدستور والقانون معًا.

وقد ذهب الرأى الراجح فى الفقه الدستورى([14]). في تأصيله للدور الذى تضطلع به المحكمة الدستورية العليا فى هذا الشأن، إلى تأكد اختصاص هذه المحكمة بنظر منازعات التنفيذ، التى تعترض تنفيذ أحكامها، من خلال الأحكام القضائية ، من زاويتين:

1 –  أن أحكام المحكمة الدستورية العليا ملزمة لجميع سلطات الدولة، عملاً بنص المادة (195/1) من الدستور، فكيف يستقيم تفعيل هذا الإلزام – كما يُسلم الرأى السابق – بالنسبة للسلطتين التشريعية والتنفيذية دون السلطة القضائية؟ ألا يعد ذلك تخصيصًا للنص الدستورى بلا مخصص.

2 – أن أحكام محاكم الموضوع، إذا صدرت على نقيض حكم دستورى سابق، ينطوى على مخالفة للدستور، وهى مخالفة جسيمة، يصعب معها تأييد استمرار احتفاظه بوصف حكم قضائى، وبالتالى استمرار تمتعه بالحجية، التى تجعل منه تعبيرًا عن الحقيقة، أو هو الحقيقة نفسها.

         ومن جانبنا نرى، أنه لا محل لقالة أن المحكمة الدستورية العليا، لا ولاية لها فى التعرض للأحكام القضائية، التى تخالف مقتضى الأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، إعمالاً لنص المادة (195) من الدستور الحالى، والمادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979، ذلك أن ولاية محكمة الموضوع، تنحصر بالضرورة فى المسائل التى تدخل فى ولايتها، ومن بينها إعمال آثار الأحكام التى أصدرتها المحكمة الدستورية العليا فى المسائل الدستورية، فى شأن النزاع المطروح عليها، والتى تحوز حجية مطلقة على الكافة، وعلى جميع سلطات الدولة، ولا تمتد إلى ما يدخل- بنص الدستور أو القانون- فى ولاية جهة أخرى، وإلا كان ذلك عدواناً عليها. ذلك إن مباشرة المحكمة الدستورية العليا لولايتها فى الفصل فى منازعات التنفيذ التى تعترض أحكامها وقراراتها، لا يقيم منها جهة طعن فى الأحكام القضائية، إذ تجد تلك الولاية سندها فى أحكام الدستور والقانون معاً، بحسبان أن الحجية المطلقة لأحكامها وقرارتها، تسرى – وكما سبق القول- فى مواجهة كافة سلطات الدولة، بما فيها المحاكم القضائية، المخاطبة بذلك الإلزام، وبناءً على ما تقدم، تتدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة عقبات التنفيذ، التى تعترض تنفيذ أحكامها، إذا ما خالفت الجهات القضائية مقتضى تنفيذ أحكامها، من خلال الأحكام القضائية الباتة الصادرة فى هذا الشأن، وسبيلها فى ذلك عدم الاعتداد بذلك العائق الذى عطل مجراه، لأنه لا يعدو– وإن كان حكماً قضائياً باتاً- أن يكون عقبة مادية هى والعدم سواء، تستوجب من كافة سلطات الدولة أن تعينها على إزاحة ذلك الحائل، الذى عطل مجرى أحكامها وقراراتها. ([15])  

         والقول بخلاف ما تقدم، يفقد الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا جدواه فى المسائل الدستورية، وهو ما ينحدر بالرقابة على الشرعية الدستورية، إلى مرتبة الحقوق النظرية محدودة الأهمية، التى لا ترتجى منها فائدة عملية، ويعطل سيادة الدستور، باعتباره- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمه- موئل الحياة الدستورية وقاعدة بنيانها، مهيمناً على حقوق المواطنين وحرياتهم كافلاً لها، ذلك أن مظهر هذه السيادة فى مجال الرقابة القضائية علـى الدستورية،- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- "هو إهدار النصوص القانونية المخالفة للدستور، بما يحول دون تطبيقها فى نزاع موضوعى"([16]).

ومن هذا المنطلق، فلا يتصور أن يتم من خلال إعمال آثار الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، بعدم دستورية نص تشريعى، أن تعيد محاكم الموضوع، احياء ذلك النص مرة أخرى، في الانزعة المطروحة عليها، ذلك أنه من المقرر بقضاء المحكمة الدستورية العليا، "أن القضاء بعدم دستورية النصوص التشريعية يرتب تجريد هذه النصوص من قوة نفاذها التى صاحبتها عند إقرارها أو إصدارها، لتفقد بالتالى خاصية الإلزام التى تتسم بها، فلا يقوم من بعد ثمة مجال لتطبيقها، والقول بخلاف ما تقدم، يجعل الحق في التقاضى- وهو من الحقوق العامة التى كفلها الدستور للناس كافة- بالنسبة للمسألة الدستورية، غير مجد ومجرداً من مضمونه، الأمر الذى ينبغى تنزيه المشرع عن قصد التردى فيه، وبالإضافة إلى ذلك، فإن النص في المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، على عدم جواز تطبيق النص المقضى بعدم دستوريته من اليوم التالى لنشر الحكم بعدم الدستورية، هو خطاب تشريعى موجه لجميع سلطات الدولة وللكافة للعمل بمقتضاه، ولما كان قاضى الموضوع، هو من بين المخاطبين بهذا النص التشريعى، فإنه يكون متعيناً عليه عملاً بهذا النص ألا ينزل حكم القانون المقضى بعدم دستوريته على المنازعات المطروحة عليه من قبل"([17]). وعلى هذا الاساس تتدخل المحكمة الدستورية العليا من خلال دورها بالفصل في منازعات التنفيذ التى تعترض تنفيذ أحكامها، لا لإعمال أثار أحكامها، بنفسها، وإنما لترفع العائق الذى اعترض تنفيذ أحكامها، من خلال عدم الاعتداد بهذا العائق أو الحائل، ولو كان حكماً باتاً على النحو السالف إيضاحه.

         ومن جهة أخرى، فإن المحكمة الدستورية العليا، تتعرض- كذلك- للأحكام القضائية، كعقبة من عقبات التنفيذ التى تعترض تنفيذ أحكامها، حينما تتجاوز محاكم الموضوع، الإطار المحدد لإعمال آثار أحكامها، على نحو يفرغ الحكم الدستورى من مضمونه، ومن اتجاهتها الحديثة التى أصدرتها في هذا الشأن، ما يلى:

1- ما قررته فى شأن إعمال قيد التقادم، الذى يحد من الأثر الرجعى لأحكام المحكمة الدستورية العليا.

على الرغم من تأكيد المحكمة الدستورية العليا في أحكامها، أن بحث مدة التقادم، وبيان مدى توافر شرائطه يعد مسألة موضوعية، تستقل بها محاكم الموضوع، إلا أنها ذهبت إلى "إن إعمال قيد التقادم الذى يحد من الأثر الرجعى لأحكام المحكمة الدستورية العليا، أمر يتعلق بإعمال آثار حكمها، التى تلتزم بها محاكم الموضوع، ومن ثم فإن قيام تلك المحاكم بتطبيق هذا القيد، على نحو يعوق المضى فى تنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا تنفيذًا صحيحًا ومكتملاً، يخول هذه المحكمة، التدخل للأمر بالمضى فى تنفيذ أحكامها بعدم الدستورية، وعدم الاعتداد بالعائق الذى أعاق سريانها([18]).

2- ما قررته في شأن عدم اعتدادها بما انتهت إليه المحكمة الإدارية العليا، من عدم رد رسوم الخدمات، التى قضى بعدم دستورية سند تحصيلها، استناداً إلى وجود أعراف تجارية تقضى بتحميل المستورد للمستهلك بقيمة السلعة المستوردة، شاملة ما سدد عنها من ضرائب ورسوم.

فذهبت فى أحد تطبيقاتها إلى "انها وإذ خلصت إلى تكييف الفريضة المالية المنصوص عليها بالمادة (111) من قانون الجمارك على إنها تعد من قبيل الرسوم، وكانت الشركة المدعية، قد أقامت دعواها الموضوعية بغية القضاء برد المبالغ السابق سدادها منها، تحت حساب هذه الرسوم، التى تم فرضها استنادًا للنصوص المقضى بعدم دستوريتها، وكان التزامها ومسئوليتها قبل مصلحة الجمارك بتوريد هذا الرسم، نابعًا من التزامها الأصلى، وعلاقتها بالسلع التى تم فرض الرسم عليها، ليظل عبئها بحكم علاقتها بالسلع المستوردة – مناط فرض الرسم- ومسئوليتها القانونية قبل مصلحة الجمارك واقعًا فى ذمتها، ولو جرى العرف على تحميل المستهلكين عبء هذا الرسم، عند طرح السلعة للبيع للجمهور، ومن ثم فإن مطالبتها بإزاحة العوائق التى تحول دون رد ما سبق سداده منها تحت حساب هذا الرسم، بعد القضاء بعدم دستورية النصوص الحاكمة لفرضه والالتزام بأدائه، وإنفاذًا لهذا القضاء يكون فى محله، وموافقًا لصحيح القانون"([19]).

3- ما قررته بشأن عدم تمسكها بمفهوم الحكم البات، الذى يحد من الأثر الرجعى لأحكامها، تجاه النصوص الجنائية، التى قضى بعدم دستوريتها، إعلاءّ لإعتبارات الشرعية الدستورية.

فقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن قانونها- ضمانًا لصون الحرية الشخصية التى كفلها الدستور واعتبرها من الحقوق الطبيعية التى لا يجوز الإخلال بها عدوانًا- قد نص فى المادة (49) منه على أنه إذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقًا بنص جنائى؛ فإن أحكام الإدانة الصادرة استنادًا إليه تُعتبر كأن لم تكن. وهو ما يعنى سقوطها بكل آثارها ولو صار الطعن فيها ممتنعًا، لتفارقها قوة الأمر المقضى التى قارنتها، وتلك هى الرجعية الكاملة التى أثبتها قانون المحكمة الدستورية العليا لأحكامها الصادرة بإبطال النصوص العقابية، وهى- بعد- رجعية لا قيد عليها ولا عاصم منها، بل يكون أثرها جارفًا لكل عائق على خلافها ولو كان حكمًا باتًّا.

كما استقر قضاؤها- كذلك- على أن التفسير المنطقي السديد لما ورد بالمذكرة الإيضاحية لقانون هذه المحكمة؛ بشأن إعمال الأثر الرجعى للحكم الصادر منها بعدم دستورية نص جنائى صدر بالإدانة، واعتباره كأن لم يكن ولو كان باتًّا، ينسحب إلى الأحكام التى تزيل وصف التجريم أو تضيّق من مجاله؛ باعتباره وضعًا تأباه العدالة، إذا ما أسقط الحكم هذا الوصف عن الأفعال التى ارتكبها المتهم، أو عن طريق تعديل تكييفها، أو بتغيير بنيان بعض عناصرها، بما يمحو عقوبتها كلية أو يجعلها أقل وطأة؛ استنادًا إلى أن هذا الحكم يسرى في شأن الأحكام السابقة على صدوره ولو كانت باتة، طبقًا لما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه([20]).

4-  توسعها في مفهوم المدعى بالنسبة للنص الضريبى، الذى قضى بعدم دستوريته، على نحو يفاد منه، من كان في مركز المدعى في المنازعات الضريبية المتداولة أمام جهات القضاء، حتى ما كان منها قائماً في تاريخ سابق على نشر الحكم بعدم الدستورية في الجريدة الرسمية.

أرست المحكمة الدستورية العليا مبدأ هاماً فى هذا الشأن، فذهبت إلى أن الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 والمستبدلة بالقرار بقانون رقم 168 لسنة 1998 وإذ جرى نصها على أنه "ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالى لنشر الحكم مالم يحدد الحكم لذلك تاريخًا آخر، على أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبى لا يكون له فى جميع الأحوال إلا أثر مباشر، وذلك دون إخلال باستفادة المدعى من الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص"– فإن مفاد ذلك وعلى ما استقر عليه قضاؤها، هو  تعطيل قوة نفاذ النص الضريبى المحكوم بعدم دستوريته من اليوم التالى لنشر الحكم، وعدم جواز تطبيقه على المراكز القانونية للخصوم فى الأنزعة الضريبية المتداولة أمام جهات القضاء، حتى ما كان منها قائمًا فى تاريخ سابق على نشر الحكم فى الجريدة الرسمية، مالم تكن الحقوق الضريبية والمراكز القانونية التى ترتبط بها قد إستقر أمرها بناءً على حكم قضائى بات، صدر قبل قضاء المحكمة الدستورية العليا"([21])،([22]).

         وينبغى أن نشير في هذا الصدد إلى أن المحكمة الدستورية العليا، حرصت في مباشرتها لإختصاصها بنظر منازعات التنفيذ، التى تعوق إعمال آثار أحكامها عملاً بنص المادة (50) من قانونها، إلى وضع قيود وضوابط ذاتية، تضمن من خلالها بقاء منازعات التنفيذ التى تنظرها، فى إطارها المحدد له، إذ تتدخل المحكمة الدستورية العليا، لإزاحة عقبات التنفيذ التى تعترض أحكامها من كافة سلطات الدولة، بما فيها مختلف الجهات القضائية، حال قيامها بالخروج عن الإعمال الصحيح لآثار أحكامها وقراراتها التى تصدرها، بمراعاة تلك الضوابط.

ثانياً: الضوابط الذاتية التى وضعتها المحكمة الدستورية العليا، حال مباشرتها لاختصاصها في إزاحة عقبات التنفيذ التى تعترض تنفيذ أحكامها وقراراتها:

 أرست المحكمة الدستورية العليا، العديد من الضوابط الذاتية، في مجال قبولها منازعات التنفيذ، التى تعترض أحكامها وقراراتها، يمكن أن نوجزها فيما يلى:

أ) إعمال آثار أحكام المحكمة الدستورية العليا وقراراتها، منوط بمحكمة الموضوع ولا يجوز اللجوء إلى هذه المحكمة، إلا كملاذ أخير، لإزاحة عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها، وتحول دون جريان آثارها.

تحرص المحكمة الدستورية العليا- دوماً- على عدم الإفتئات على اختصاص محاكم الموضوع بإعمال آثار أحكامها، الملزمة للكافة إعمالاً لنص المادة (195) من الدستور، والمادتين (48، 49) من قانون المحكمة الدستورية العليا، وبالنسبة إلى الدولة بسلطتها المختلفة، فإذا تيقنت المحكمة الدستورية العليا، أن المنازعة المطروحة أمامها لا زال أمرها مطروحاً أمام محكمة الطعن، فلا تمضى في نظر النزاع المطروح أمامها، وتترك المساحة الكافية لمحكمة الطعن، لتصويب الأحكام المطعون عليها، من خلال إعمال آثار أحكامها، وقد ذهبت في هذا الاتجاه إلى "أنه من المقرر بقضاء هذه المحكمة أن إعمال آثار الأحكام التى تصدرها في المسائل الدستورية، هو من اختصاص محاكم الموضوع، وذلك ابتناءً على أن محكمة الموضوع هى التى تنزل بنفسها على الوقائع المطروحة عليها قضاء المحكمة الدستورية العليا، باعتباره مفترضاً أولياً للفصل في النزاع الموضوعى الدائر حولها، ومن ثم فهى المنوط بها بتطبيق نصوص القانون في ضوء أحكام المحكمة الدستورية العليا، الأمر الذى يستلزم- كأصل عام- اللجوء إلى تلك المحاكم ابتداء لإعمال آثار الأحكام الصادرة في المسائل الدستورية على الوجه الصحيح، وليضحى اللجوء إلى هذه المحكمة هو الملاذ الأخير، لإزاحة عوائق التنفيذ التى تعترض أحكامها، وتحول دون جريان آثارها([23]).

ب) الاعتداد بقيد الحكم القضائى البات، وانقضاء مدة التقادم التى استقرت بحكم قضائى قبل صدور الحكم الدستورى المطلوب الاستمرار في تنفيذه، احتراماً للمراكز القانونية التى استقرت قبل صدور هذا الحكم.

أكدت المحكمة الدستورية العليا فى أحكامها على أن مفاد نص المادة (49) من قانون هذه المحكمة "أنه ما لم تحدد المحكمة تاريخاً آخراً لنفاذ أحكامها؛ فإن الأصل أن قضاءها بإبطال نص غير جنائى. عدا النصوص الضريبية. يكون له أثر رجعى ينسحب إلى الأوضاع والعلائق التى يتصل بها ويؤثر فيها، حتى ما كان منها سابقاً على نشرة فى الجريدة الرسمية، لا يحد من هذا الأثر إلى أن تكون الحقوق والمراكز القانونية التى ترتبط بها قد استقر أمرها بناءً على حكم قضائى بات، صادر قبل قضاء المحكمة الدستورية العليا"([24])، وأكدت أيضاً على "أن ما يوقف الأثر الرجعى للأحكام الصادرة بعدم دستورية نص تشريعى- وعلى ما جرى به قضاء المحكمة الدستورية العليا- صدور حكم قضائى بات، أو انقضاء مدة تقادم تقررت بموجب حكم بات، استقرت به المراكز القانونية، التى ترتبط بالحقوق محل المطالبة القضائية قبل صدور حكم المحكمة الدستورية العليا"([25]).

ج) منازعات التنفيذ تدور وجوداً وعدماً، مع نطاق حجية الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، ولا تتعداه إلى غيره من النصوص التشريعية ولو تشابهت معها.

أكدت المحكمة الدستورية العليا على "أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة فى موضوع الدعوى الدستورية، يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت مثارًا للمنازعة حول دستوريتها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسمًا بقضائها، دون تلك التى لم تكن مطروحة على المحكمة، ولم تفصـــــــــــل فيها بالفعل، فلا تمتد إليها تلك الحجية. على أن يكون مفهومًا أنه لا يحوز من الحكم تلك الحجية المطلقة سوى منطوقه، وما هو متصل بهذا المنطوق من أسباب اتصالاً حتميًّا، بحيث لا تقوم له قائمة إلا بها، ومن ثم لا يجوز الارتكان إلى تلك الأسباب إلا حال تعلق العقبة التى تحول دون تنفيذ الحكم الدستورى بما يقضى به ذلك الحكم مرتبطًا بأسبابه. وعلى ذلك، لا يجوز نزع أسباب الحكم من سياقها أو الاعتداد بها بذاتها، دون المنطوق، للقول بأن هناك عقبات تحول دون سريان تلك الأسباب".([26])

د) المحكمة الدستورية العليا، وهى بصدد ممارستها لإختصاصها بالفصل فى منازعات التنفيذ فى أحكامها، لا تعد جهة طعن فى الأحكام القضائية، ولا تمتد إلى بحث مطابقتها لأحكام القانون أو تقويم ما قد يشوبها من عوج.

         فذهبت فى العديد من المنازعات التى عرضت عليها، "إلى عدم اختصاصها بنظر أوجه الطعن فى الأحكام القضائية، باعتبار أن الأمر يخرج عن ولاية المحكمة الدستورية العليا، إذ لا تعد هذه المحكمة وهى بصدد ممارستها اختصاصها بالفصل فى منازعة التنفيذ فى أحكامها- كما تقدم البيان- جهة طعن فى الأحكام القضائية، ولا تمتد ولايتها إلى بحث مطابقتها لأحكام القانون أو تقويم ما قد يشوبها من عوج، متى لم يقم بموجبها ما يعيق تنفيذ أحد الأحكام الصادرة عنها. وإذ انتفى قيام العائق الذى يحول دون تنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا المشار إليها، فى الدعوى المعروضة، تعين القضاء بعدم قبولها".([27])

ز) المحكمة الدستورية العليا، وهى بصدد ممارستها لإختصاصها بالفصل في منازعة التنفيذ في أحكامها، لا يجوز ابداء أمامها طلبات موضوعية من خلال دعاوى منازعات التنفيذ التى تنظرها.

فذهبت في أحد تطبيقاتها، إلى أنه "ولما كان المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة – أن لكل من الدعويين الدستورية والموضوعية ذاتيتها، فلا تختلطان ببعضهما فى شرائط قبولها، بل تستقل كل منهما عن الأخرى فى موضوعها ومضمون الشروط التى يتطلبها القانون لجواز رفعها، فإن طلب الاستجواب المبدى في هذه الدعوى يكون غير منتج؛ الأمر الذى يتعين معه القضاء برفضه إعمالاً لنص المادة (108) من قانون الإثبات"([28]).

هـ)عوائق التنفيذ، لا تمتد إلى أى عمل تمهيدى، أو إجراء افتتاحى يدخل ضمن سلسلة من الإجراءات التى تشكل فى مجموعها عملاً قانونياً مكتملاً.

        فذهبت فى أحد تطبيقاتها إلى "أنه لا يصح أن يكون العائق المدعى به فى منازعة التنفيذ الدستورية، مجرد ادعاء مرسل أو إجراء مبدئى يناقض حكمًا للمحكمة الدستورية العليا، وإنما يلزم أن يتبلور هذا العائق فى تصرف قانونى نافذ، بصورة نهائية، منتجاً لآثار قانونية تحول دون انسياب أثار حكم المحكمة الدستورية العليا، كأن يكون تشريعًا- أصليًّا كان أو فرعيًّا- استوفى سائر مراحله الدستورية، أو حكمًا قضائيًّا نهائيًّا واجب التنفيذ. وتبعًا لذلك فإن مناط قبول منازعة التنفيذ الدستورية، يكون متخلفًا كلما كان الحائل المدعى به يمكن دفعه باتخاذ إجراء مقرر قانونًا يلزم اتباعه قبل سلوك سبيل منازعة التنفيذ، ذلك أن عوائق التنفيذ التى تختص هذه المحكمة بإزاحتها لا تمتد إلى أى عمل تمهيدى أو إجراء افتتاحى يدخل ضمن سلسلة من الإجراءات التى تكوَّن فى مجموعها وعند تمامها عملاً قانونيًّا مكتملاً، يصلح أن يكون محلاًّ لنزاع يتم عرضه على القضاء".([29])

 

 و) عقبات التنفيذ، ينبغى أن تكون لاحقة على صدور الحكم الدستورى المنازع فى تنفيذه.

        أكدت المحكمة الدستورية العليا فى أحكامها على ان صدور تشريع جديد يتبنى أحكام نص تشريعى سبق للمحكمة استناداً للأحكام الموضوعية فى الدستور– إبطال نص مطابق له فى النطاق غير موجه للمخاطبين به أنفسهم، يندرج ضمن منازعات التنفيذ المشار إليها آنفا،ً باعتباره عقبة من عقبات التنفيذ، إلا أنه لما كان نص الفقرة الثانية من المادة (103) من القانون رقم 187 لسنة 1993 قد صدر وعُمل به قبل صدور حكم المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 125 لسنة 18 قضائية "دستورية،" الذى فصل فى دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (38) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1981، ومن ثم فلا يعتبر عقبة فى تنفيذه حيث يفترض فى عقبة التنفيذ، أن تكون لاحقة على الحكم. وتبعاً لذلك فلا محل لإجابة المدعين إلى طلب التصدى، ويبقى طريق الطعن على ذلك النص مفتوحاً".([30])

ثالثاً: إشكاليات الحجية المطلقة للأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، فى ضوء العمل بأحكام دستور عام 2014، وانعكاسها على دعاوى منازعات التنفيذ التى تعترض تنفيذ أحكام وقرارات المحكمة الدستورية العليا، باعتبارها تدور وجوداً وعدماً مع نطاق حجيتها.

نص الدستور الحالى، فى المادة (192) منه على أن "تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين، واللوائح، وتفسير النصوص التشريعية، والفصل فى المنازعات المتعلقة بشئون أعضائها....، والمنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها، والقرارات الصادرة منها...." ونصت المادة (195) من الدستور فى فقرتها الأولى على أن "تنشر فى الجريدة الرسمية الأحكام والقرارات الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، وهى ملزمة للكافة، وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم".

ومؤدى ما تقدم،- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن المشرع الدستورى، اعتمد فى الدستور الحالى، مبدأ الحجية المطلقة لجميع أحكام المحكمة الدستورية العليا وقراراتها، ولم يقصره على الأحكام التى تصدر فى الدعاوى الدستورية وطلبات التفسير التشريعى، مغايراً بذلك منهاجه فى دستور 1971 وما تلاه من وثائق دستورية أياً كان مسماها أو طبيعتها من حيث التأقيت أو الاستمرار".([31])

ولكن إلى أى مدى تقيد حجية أحكام المحكمة الدستورية العليا، الجهات القضائية الأخرى فى أحكامها؟، سنحاول فى هذا البحث الإجابة على هذا التساؤل، من خلال التعرض لنطاق الحجية المطلقة للأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، فى كافة انماط الدعاوى التى تنظرها.

أولاً: الحجية المطلقة فى مجال الدعاوى الدستورية:

أكدت المحكمة الدستورية العليا فى أحكامها على، "أن الحجية المطلقة لأحكامها، تتقرر فى الدعاوى الدستورية، سواء كان الحكم قد قضى بعدم دستورية النص الطعين أو برفض الدعوى أو بعدم قبولها فصلا فى مسألة دستورية؛ بما يلزم كل سلطة فى الدولة- بما فيها الجهات القضائية على اختلافها- باحترام قضائها وتنفيذ مقتضاه على وجهه الصحيح امتثالاً للمادتين (72 و 178) من دستور عام 1971، والفقرة الأولى من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 وبما مؤداه عدم الإعتداد بأى عقبة تكون قد عطلت من هذا التنفيذ أو انحرفت بجوهره أو حدت من مداه".([32]) وبناءً على ما تقدم، فمن المتصور المنازعة في تنفيذ الأحكام القضائية، التى تعارض في حجيتها الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، بمراعاة أن الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية، يقتصر نطاقها –كما سبق القول- على النصوص التشريعية والتى كانت مثاراً للمنازعة حول دستوريتها وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها، دون تلك التى لم تكن مطروحة على المحكمة، ولم تفصل فيها بالفعل، فلا تمتد إليها تلك الحجية، على أن يكون مفهوماً أنه لا يجوز من الحكم تلك الحجية المطلقة سوى منطوقه، وما هو متصل بهذا المنطوق من أسباب اتصالاً حتمياً، بحيث لا تقوم له قائمة إلا بها([33]).

ويلاحظ في هذا الصدد، أن الخلاف قد احتدم في الفقه والقضاء، حور نطاق الحجية المطلقة للأحكام الصادرة في الدعاوى الدستورية، والتى قضى فيها بالرفض أو عدم القبول، وهو ما سنعرض له فيما يلى:

1-  المنازعة في تنفيذ الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية التى قضى فيها بالرفض.

على الرغم من أن الحجية المطلقة لأحكام  المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية تتقرر، سواء كان الحكم قد قضى بعدم دستورية النص الطعين أو برفض الدعوى أو بعدم قبولها فصلاً في مسألة دستورية، غير أنها قد ذهبت في أحدث أحكامها، إلى عدم امكانية المنازعة في تنفيذ الأحكام الصادرة منها في الدعاوى الدستورية، التى قضى فيها بالرفض، وتطهير النصوص التشريعية المطعون فيها من المثالب الدستورية، إذ قضت "بأن صدور حكم من إحدى محاكم جهة من جهات القضاء، فى النزاع الموضوعى المردد أمامها، بالمخالفة لنص تشريعى، ورد فى قانون، أو فى إحدى الاتفاقيات الدولية، التى لا تجاوز مرتبتها مرتبة القانون، لا يعدو أن يكون وجهًا من أوجه مخالفة ذلك الحكم للقانون، وإن جاز تصحيحه بالطعن عليه أمام المحكمة الأعلى بتلك الجهة القضائية، إلا أنه لا يصلح لأن يكون عقبة تحول دون تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، برفض الدعوى المقامة طعنًا على دستورية ذلك النص، بما يستنهض ولايتها لإزالة تلك العقبة، ذلك أن قضاءها برفض تلك الدعوى، إنما يكشف عن ثبوت الشرعية الدستورية لذلك النص من تاريخ العمل به، ولا تجاوز الحجية المطلقة لذلك الحكم النطاق الدستورى المحكوم فيه، لتستطيل إلى تقييد سلطة محاكم الموضوع، فى تحديد أحوال انطباق النص التشريعى المقضى بدستوريته، على الأنزعة الموضوعية المرددة أمامها، والفصل فيها"([34]).

وعلى هذا الأساس، فإن الحكم الصادر برفض الدعوى المقامة طعناً على نص قانونى، لم يضف للنص جديد، سوى أنه كشف عن مطابقته لأحكام الدستور، وهو الأمر المفترض فيه أصلاً، وعلى ذلك، فإن أى عقبة يتم تصويرها، على أنها تحول دون تنفيذ مثل هذا الحكم، لا تعدو أن تكون فى حقيقتها سوى مخالفة أو تطبيق خاطئ للنص القانونى، الذى سبق للمحكمة الدستورية العليا أن أكدت اتفاقه وأحكام الدستور، ومن ثم فإن المحاكم على اختلاف درجاتها، هى التى تعمل على إزاحة هذه العقبة بتطبيقها الصحيح للنص القانونى، ولا يعد هذا الأمر من عوائق التنفيذ، التى تختص بنظرها المحكمة الدستورية العليا.  

وقد أيد جانب من الفقه هذا الاتجاه([35])، فذهب إلى أن "عوائق التنفيذ لن يكون معنياً بها وبطبيعة الحال من الأحكام الصادرة فى الدعاوى الدستورية، سوى تلك القاضية تحديداً بعدم الدستورية، لأن الأحكام القاضية برفض الدعوى الدستورية، ومن ثم إقرار دستورية النصوص المطعون فيها، لن تضيف شيئاً إلى التنفيذ، باعتبار أن تلك النصوص تظل باقية على أصل صحتها الدستورية، وهو ما أكدته المحكمة الدستورية العليا بحكمها الصادر بجلسة 4/8/2001 فى القضية رقم 3 لسنة 21 قضائية "منازعة تنفيذ" بقولها أن" قضاء هذه المحكمة جرى على أن قوام المنازعة المتعلقة بتنفيذ حكم صادر عنها بعدم الدستورية، أما فيما يتعلق بالأحكام الصادرة برفض الدعاوى الدستورية، فلا يتصور قيام منازعات تنفيذ بشأنها، إذ لا يستلزم هذا القضاء إجراءات إيجابية معينة لتنفيذه، ولا تمس استمرار تطبيق النص التشريعى المطعون فيه.

فى حين يرى الجانب الراجح من الفقه الدستورى([36])، إلى عدم استبعاد قيام المنازعة فى تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا، برفض الدعاوى الدستورية، فمن المتصور إذا انتهجت المحكمة الدستورية العليا، تفسيراً معيناً للنص التشريعى المطعون فيه، يخرجه من حومة المخالفات الدستورية، وانتهت فى ضوء ما تقدم، إلى رفض دعوى عدم دستوريته، ثم جاءت إحدى محاكم الموضوع، وخالفت ما سلكته المحكمة الدستورية العليا، فى شأن تفسير هذا النص، إلى تفسير آخر، يضحى معه هذا النص مخالفاً لأحكام الدستور، فمن المتصور قيام مناط قبول منازعة التنفيذ فى هذه الحالة، لرد هذا النهج إلى ساحة الدستورية.

2-  المنازعة في تنفيذ الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية التى قضى فيها بعدم القبول.

تقرر المحكمة الدستورية العليا الحجية المطلقة لأحكامها الصادرة بعدم القبول، إذ انطوى حكمها فى حيثياته، على تقريريات موضوعية، ترتبط بالفصل فى المسألة الدستورية المطروحة عليها، ومن ثم تصلح تلك التقريرات، سنداً للمنازعة فى تنفيذ هذا الحكم وإعمال مقتضاه، وهو المبدأ الذى ارسته المحكمة الدستورية العليا بجلاء، بحكمها الصادر بجلسة 3/11/1998 فى القضية رقم 1 لسنة 19 قضائية "منازعة تنفيذ"، حول الاستمرار فى تنفيذ حكمها الصادر بجلسة 22/2/1997 فى القضية رقم 48 لسنة 17 قضائية "دستورية"، وعدم الإعتداد بالحكم الصادر من الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض بتاريخ 13 أبريل 1979 فى الطعن رقم 11838 لسنة 60 قضائية، فيما تضمنه من عدم اعتبار القانون رقم 4 لسنة 1996 بشأن سريان أحكام القانون المدنى على الأماكن التى لم يسبق تأجيرها، هو القانون الأصلح للمتهم.

وكانت المحكمة الدستورية العليا، قد ذهبت بحكمها الصادر بجلسة 22فبراير 1997 فى القضية الدستورية رقم 48 لسنة 17 قضائية "دستورية" إلى أن الواقعة محل الاتهام الجنائى فى الدعوى الموضوعية التى إقيمت بشأنها الدعوى الدستورية، لم يعد معاقباً عليها- بصدور القانون رقم 4 لسنة 1996 المشار إليه- فقد تعين الحكم بانتفاء مصلحة المدعى فى الدعوى الدستورية المشار إليها؛ بعد أن غضَّ المشرع بصره عن بعض التدابير الاستثنائية للعلائق الإيجارية التى انبنى التجريم عليها؛ وخرج من صلبها. وكانت المحكمة الدستورية العليا؛ قد شيدت حكمها بانتفاء مصلحة المدعى فى الطعن بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (6) من القانون 136 لسنة 1981 وما يرتبط به من نص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977 ،على انهدام الجزاء الجنائى الذى فرضه النص الأخير- من منظور دستورى- منذ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1996- المشار إليه؛ فإن حكمها هذا يكون مرتبطا بهذين النصين فى الإطار الذى حددته لهما؛ بما مؤداه وجوب القضاء- فى أية منازعة متعلقة بتنفيذ ذلك الحكم- بإهدار جميع أشكال العوائق التى يكون من شأنها، إعادة إحياء العقوبة المقررة بنص المادة (77) من القانون رقم 49 لسنة 1977، وهى تلك العقوبة التى انتهى الحكم سالف الذكر، إلى سقوطها فى مجال تطبيق الفقرة الأولى من المادة السادسة من القانون رقم 136 لسنة 1981. وإذ عاد سيف الاتهام يتهدد المدعى بسبب صدور حكم الهيئة العامة للمواد الجنائية المشار إليه؛ وتوافرت للمدعى بذلك مصلحة شخصية ومباشرة فى منازعة التنفيذ الراهنة؛ فإنه يكون متعينا القضاء بالاستمرار فى تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا على الوجه المبين بأسبابه".

وقد نحت المحكمة الدستورية العليا إلى ترديد الاتجاه ذاته، بشأن تحديدها لمفهوم السلع الرأسمالية بقانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، فذهبت المحكمة الدستورية العليا، بعد استعراضها لتعريف المكلف والمستورد الوارد بنص المادة الأولى ونص الفقرة الأولى من المادة الثانية من قانون الضريبة العامة على المبيعات، إلى القول بأن "إرادة المشرع قد اتجهت إلى إخضاع السلع والخدمات التى يتم استيرادها بغرض الاتجار للضريبة العامة على المبيعات المقررة وفقاً لهذا القانون، وبذلك حددت نطاق الخضوع للضريبة بالنسبة للسلع والخدمات المستوردة فى تلك التى يتم استيرادها من الخارج للاتجار فيها، وتأسيساً على ذلك ذهبت إلى أن التطبيق السليم لنصوص قانون الضريبة العامة على المبيعات، ونجاح الشركة المدعية – فى تلك الدعوى – فى إثبات الغرض من الاستيراد يحقق لها بغيتها من دعواها الموضوعية فى إعفاء قطع الغيار المستوردة لاستخدامها فى الصيانة والإحلال لمصانعها من الضريبة، ومن ثم قضت بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة.

 وقد ذهبت المحكمة الدستورية العليا إلى إنها وإذ حددت– بطرق الدلالة معنى معيناً لمضمون نصوص قانون الضريبة العامة على المبيعات - على النحو السالف بيانه - منتهية من ذلك إلى الحكم بعدم قبول الدعوى، فإن هذا المعنى يكون هو الدعامة الأساسية التى انبنى عليها هذا الحكم، ولازم للنتيجة التى انتهى إليها، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بمنطوقة ومكملاً له، ليكون معه وحدة لا تقبل التجزئة، ولتمتد إليه مع المنطوق الحجية المطلقة والكاملة التى أسبغتها الفقرة الأولى من المادة (49) من قانون هذه المحكمة الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 على أحكامها فى الدعاوى الدستورية جميعاً، وذلك فى مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، وبحيث تلتزم تلك السلطات، بما فيها الجهات القضائية على اختلافها– باحترام قضائها وتنفيذ مقتضاها على الوجه الصحيح، فلا يجوز لأية جهة أن تعطى هذه النصوص معنى مغايراً لما قضت به([37]).

غير أن ما تقدم، لا يعنى التقيد بكافة تفسيرات المحكمة الدستورية العليا حال مباشرتها لإختصاصتها المقررة، فما تنتهى إليه، من تفسير معين لتحديد مجال إنطباق النص التشريعى المطعون فيه، لا يقيد جهات القضاء فى اعتناق هذا التفسير القضائى، باعتبار أن تفسيرها لا يرتبط فى تلك الحالة بمسألة دستورية تحوز حجية مطلقة، تلتزم بها محاكم الموضوع، مثال ذلك: ما قررته، بشأن طلب الاستمرار فى تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 29/8/2004 فى القضية رقم 205 لسنة 19 قضائية "دستورية"، إذ ذهبت المحكمة إلى "أن هذا الطلب لا يجد له محلاًّ فى هذه المنازعة، إذ ذهب الحكم المذكور، فى خصوص الطعن على نص الفقرة الثانية من المادة (377) من القانون المدنى، إلى أن مناط إعمال حكم هذا النص، أن تكون الضرائب أو الرسوم محل طلب الرد، قد تم تحصيلها بغير وجه حق وقت أدائها، وانتهى إلى القضاء بعدم قبول الدعوى فى هذا الشق منها لانتفاء المصلحة، لعدم وجود مجال لانطباق النص على واقعة الدعوى، وبالتالى لا يكون للحكم الصادر من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا المشـــــــــار إليه، صلة بحكم المحكمة الدستورية العليا المتقدم، ولا يعد - من ثم - عقبة فى تنفيذه، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى بالنسبة لهذا الشق"([38]).

ثانياً: الحجية المطلقة فى مجال دعاوى طلبات الأعضاء:-

         جرى به قضاء هذه المحكمة، على أن المشرع الدستورى، اعتمد فى الدستور القائم مبدأ الحجية المطلقة لجميع أحكام المحكمة الدستورية العليا وقراراتها، ولم يقصره على الأحكام التى تصدر فى الدعاوى الدستورية وطلبات التفسير التشريعى، مغايراً بذلك منهاجه فى دستور 1971، وما تلاه من وثائق دستورية أياً كان مسماها أو طبيعتها من حيث التأقيت أو الاستمرار.

وقد رتبت المحكمة الدستورية العليا، على هذا المعنى الحجية المطلقة لأحكامها الصادرة فى شأن "طلبات الأعضاء"، فذهبت فى أحد تطبيقاتها "إلى أنه ولما كانت المحكمة الدستورية العليا، قد أرست فى شأن الطلب رقم 1 لسنة 37 قضائية "طلبات أعضاء" تحديد الجهة القضائية صاحبة الولاية بالفصل فيما يتصل بأحوال التعرض وتناول البيانات التى  تضمها موازنة هذه المحكمة والمستحقات المالية لرئيسها ونوابه ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها، باعتبار كل ذلك مما يدخل تحت عباءة الخصومة القضائية فى شأن من شئون أعضائها، مما ينعقد لها الاختصاص الولائى دون غيرها من جهات القضاء الأخرى بنظرها والفصل فيها، بحيث يحرم على الجهات القضائية الأخرى التعرض لها أيًّا كان وجه ذلك التعرض أو الشكل القانونى الذى ينتحله، وانتهت المحكمة من كل ذلك إلى عدم الاعتداد بالحكم الصادر فى الطعن رقم 383 لسنة 84 ق من دائرة طعون رجال القضاء بمحكمة النقض، لصدوره من محكمة غير مختصة ولائيًّا بنظر الدعوى، ومن ثم فإن المعنى المتقدم يكون هو الدعامة الأساسية التى انبنى عليها ذلك الحكم، ولازمًا للنتيجة التى انتهى إليها، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بمنطوقــــــه ويكمله، ليكـــونا معه وحدة واحدة لا تقبل الفصل أو التجزئة، لتمتد إليه مع المنطوق الحجية المطلقة والكاملة التى أسبغتها المادة (195) من الدستور على أحكام هذه المحكمة، وذلك فى مواجهة الكافة وبالنسبة إلى الدولة بسلطاتها المختلفة، وبحيث تلتزم تلك السلطات – بما فيها الجهات القضائية على اختلافها – باحترام هذا القضاء وتنفيذ مقتضاه على الوجه الصحيح. إذ كان ما تقدم، وكان الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 1 لسنة 37 قضائية "طلبات أعضاء" قد قطع، بعدم جواز الاطلاع على المستحقات المالية لجميع أعضاء هذه المحكمة وهيئة المفوضين بها استنادًا إلى حكم يصدر من جهة قضائية سواها، وذلك التزامًا بحكم الدستور والقانون. وإذ عصف الحكمان المنازع فى تنفيذهما بالحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا، التى تصدر فى أى اختصاص ينعقد لها بمقتضى الدستور والقانون، فإنهمــــا يعدان – كما سلف البيان– عقبة تحول دون تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا المار ذكره، وترتيب آثاره كاملة دون أَمْتٍ ولا عِوَج". ([39])

ثالثاً: الحجية المطلقة فى مجال قرارات التفسير التشريعى:-

         يسرى فى شأن الحجية المطلقة لقرارات التفسير التشريعى، ما يسرى فى شأن حجية أحكام المحكمة الدستورية العليا فى الدعاوى الدستورية، بمراعاة ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة، من أن الحجية المطلقة يقتصر نطاقها على النصوص التشريعية التى كانت مثارًا للمنازعة حولها، وفصلت فيها المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها، ولا تمتد إلى غير تلك النصوص، حتى لو تطابقت فى مضمونها. كما أـن قوة الأمر المقضى لا تلحق سوى منطوق الحكم وما هو متصل بهذا المنطوق من الأسباب اتصالاً حتمياً لا تقوم له قائمة إلا بها".([40]) ومن هذا المنطلق فإنه يمكن المنازعة فى تنفيذ قرارات التفسير التشريعى أمام المحكمة الدستورية العليا، عملاً بنص المادة (50) من قانونها، بذات الضوابط المقررة فى شأن الأحكام الصادرة منها فى الدعاوى الدستورية.

 

رابعاً: الحجية المطلقة فى مجال دعاوى تنازع الاختصاص ومنازعات التنفيذ:-

         أكدت المحكمة الدستورية العليا فى منازعات التنفيذ أحكامها – كما سبق القول- على أن الحجية المطلقة الثابتة للأحكام الصادرة منها بمقتضى نص المادة (195) من الدستور، يقتصر نطاقها على ما كان محلاً لهذا القضاء، وفصلت فيه المحكمة فصلاً حاسماً بقضائها، ولا تمتد إلى غير ذلك، كما أن قوة الأمر المقضى، لا تلحق سوى منطوق الحكم، وما يتصل به من الأسباب اتصالاً حتمياً، بحيث لا يقوم له قائمة إلا بها.

         ومن هذا المنطلق، لم تقبل المحكمة الدستورية العليا، المنازعة فى تنفيذ الأحكام الصادرة منها فى تنازع الاختصاص، تجاه الأحكام المنازع فى تنفيذها، والتى تستقل الخصومة فيها بموضوعها وأطرافها عن الدعاوى الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، وفصلت فى تحديد الجهة صاحبة الاختصاص القضائى([41]).

كما لم تقبل – أيضاً - المنازعة في تنفيذ الأحكام الصادرة منها في منازعات تنفيذ أخرى، تستقل فيها الخصومة بموضوعها وأطرافها، عن الدعاوى الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، إذ لا يجوز نزع أسباب الحكم من سياقها أو الاعتداد بها بذاتها دون المنطوق، للقول بأن هناك عقبات تحول دون سريان تلك الأسباب، ومن هذا المنطلق ذهبت في أحدث أحكامها إلى "انه متى كان الحكم الصادر من هذه المحكمة، بجلسة 13/10/2018، فى الدعوى رقم 26 لسنة 38 قضائية "منازعة تنفيذ"، الذى قضى بعدم قبول الدعوى، كان محله أحكامًا تستقل الخصومة فيها بموضوعها وأطرافهـــا عن الأحكام محل الدعوى المعروضة ومن ثم، فالأحكام الموضوعية المدعى، بأنها تشكل عقبة تنفيذ فى الدعوى المعروضة، لا صلة لها بالحكم الصادر فى منازعة التنفيذ المشار إليها، ولا تُعد تلك الأحكام عقبة فى تنفيذه، مما لزامه – أيضاً- القضاء بعدم قبول الدعوى فى هذا الشق منها"([42]).

رابعاً: الأثار المترتبة على صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا، بإزاحة عقبات التنفيذ، عملاً بنص المادة (50) من قانونها الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979.

تستهدف منازعات التنفيذ- كما سبق القول- إنهاء الأثار القانونية الناشئة عنها أو المترتبة عليها، وهو ما لا يتسنى إلا بإسقاط مسبباتها وإعدام وجودها حتى يتم تنفيذ الأحكام الصادرة عن هذه المحكمة، تنفيذاً مستكملاً لمضمونه ومداه ضامناً لفعاليته وإنفاذ فحواه"([43]). وإذا كانت الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا، بإزاحة عقبات التنفيذ التى تعترض تنفيذ أحكامها، لا تزيل بالصيغة التنفيذية، إلا أنها واجبة النفاذ، فتنشر فى الجريدة الرسمية، وتسرى فى مواجهة كافة سلطات الدولة، إعمالاً لنص المادة (195) من الدستور، وعلى هذا الأساس تتدخل المحكمة الدستورية العليا، لإزاحة العوائق التى تعترض تنفيذ أحكامها، وسبيلها إلى ذلك- تعينها عليه سلطات الدولة كل فى مجال اختصاصها- بالأمر بالمضى فى تنفيذ الحكم بعدم الدستورية، وعدم الاعتداد بذلك الحائل الذى عطَّل مجراه".([44])

وفى ضوء ما تقدم، يحق لذوى الشأن، بعد تدخل المحكمة الدستورية العليا فى إزاحة العائق الذى اعترض تنفيذ أحكامها، اللجوء إلى الجهات المختصة بالدولة، لإعمال مقتضى الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى هذا الشأن، فإذا امتنعت سلطات الدولة عن التنفيذ، يمكنهم اللجوء إلى القواعد العامة فى التنفيذ، على ما استقر عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا، "من أن مخالفة تنفيذ أحكامها، تنسحب عليه أحكام الإمتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية بصفة عامة، باعتبار أن الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية – أياً كانت الجهة التى أصدرتها- من قبل المسئولين عن إعمال مقتضاها، يعد جريمة معاقباً عليها قانوناً، وفقاً لنص المادة (72) من دستور 1971، فإن إهدار الأحكام الصادرة فى المسائل الدستورية أو التقاعس عن تنفيذها، إنما ينحل إلى إنكار لحجيتها المطلقة، ويشكل ركن الخطأ فى المسئولية التى يقوم الحق فى التعويض بتوافر أركانها، ودون ما إخلال بالحق فى اقتضاء تنفيذ  قضاء هذه المحكمة عينا كلما كان ذلك ممكناً"([45]).

كما يحق لذوى الشأن، اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا –ذاتها- من خلال المنازعة فى تنفيذ أحكامها الصادرة فى هذا الشأن، إذا شكل الامتناع عائقاً جديداً من عوائق التنفيذ التى تعترض تنفيذ الأحكام، فيمكن- فى هذه الحالة- الاستشكال فى التنفيذ، من خلال المنازعة فى تنفيذ الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا .

على أن يكون معلوماً، أن تدخل المحكمة الدستورية العليا، فى إزاحة عقبات التنفيذ التى تعترض أحكامها وقراراتها، وأن ترتب عليه إهدار حجية الأحكام الصادرة من محاكم الموضوع، باعتبار أن الأحكام الصادرة منها، على خلاف مقتضى الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا- وإن عدت أحكاماً باتة - إلا أنها تصير عقبات مادية هى والعدم سواء، وهو ما لا يسوغ معه اللجوء إلى محاكم الموضوع - مجدداً - لإنفاذ آثار الأحكام الصادر من المحكمة الدستورية العليا، بعد تدخلها بإزاحة العقبة التى اعترضت تنفيذ أحكامها، إذ يعيد الطريق منفتحاً أمام ذوى الشأن، فى اللجوء إلى الجهات ذات الاختصاص مباشرة، فى الحصول على الترضية القضائية التى يبتغونها.

غير أن ما تقدم، لا يعنى أن المحكمة الدستورية العليا، لا يمكنها التدخل فى تحديد آثار أحكامها- ففى بعض الاحيان- تتدخل فى تبيان الأثر المترتب على إزاحة عقبات تنفيذ أحكامها، مثال ذلك، ما قررته بحكمها الصادر بجلسة 4/8/2001 فى القضية رقم 3 لسنة 23 قضائية "منازعة تنفيذ" والتى قررت فيه أنه – امتثالاً لهذا الحكم – تسترد محكمة الموضوع لولايتها فى إعمال الأثر الرجعى للحكم بعدم الدستورية على كل ذى شأن، ولا يصدنها عن ذلك عمل سابق لها، كان محدداً لأثره على غير جادة القانون، أو حائداً به عن استقامته، بعد أن اسقطه الحكم الآمر بالمضى فى التنفيذ، إذ الساقط لا يعود".

وكذلك الأمر، فى شأن إلزام محكمة الموضوع بإعادة محاكمة المحكوم عليه- مجدداً – بعد أن استنفدت ولايتها فى محاكمته بحكم بات، ومن تطبيقاتها الصادرة فى هذا الشأن، ماقررته فى شأن الزام محكمة الجنايات، باعادة محاكمة متهم، صدر ضده حكم بات بالمخالفة لمقتضى الحكمان الصادران من المحكمة الدستورية العليا، فى القضيتين الدستوريتين رقمى 196 لسنة 35 قضائية بجلسة 8/11/2014، و78 لسنة 36 قضائية بجلسة 14/2/2015 فيما انتهيا إليه من عدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (26) من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة والذخائر، المستبدلة بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2012، فيما تضمنه من استثناء تطبيق أحكام المادة (17) من قانون العقوبات، بالنسبة للجرائم المنصوص عليها بالفقرات الثانية والثالثة والرابعة من المادة ذاتها، وبالتالى ينصرف أثر هذين الحكمين إلى إزالة القيد الوارد على السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بنص الفقرة الأخيرة من المادة (26) المشار إليها، وهو القيد المتمثل فى عدم جواز النزول بالعقوبة؛ بما يجعل حكمها- بعد إزالة هذا القيد- أقل وطأة؛ إذ ارتأت استعمال سلطتها التقديرية طبقاً لنص المادة (17) من قانون العقوبات، ومن ثم يكون الحكم المنازع فى تنفيذه، الصادر من محكمة الجنايات، مخالفاً لما قضت به المحكمة الدستورية العليا فى حكميها الآنفى الذكر، وتبعاً لذلك يشكل عقبة عطلت تنفيذ هذين الحكمين، مما يتعين معه القضاء بإزالتها، وما يترتب على ذلك من إعادة نظر الدعوى الموضوعية، واسترداد محكمة الجنايات سلطتها التقديرية فى هذا الصدد؛ نتيجة الأثر الكاشف لحكمى المحكمة الدستورية العليا، إعمالاً لأحكام المادة (49) من قانونها على النحو السالف البيان"([46]).

وأخيراً، فى إعادة اسباغ الولاية من جديد، على الجهات القضائية، حال مخالفتها لقواعد الاختصاص الولائى، التى كشفت المحكمة الدستورية العليا، من خلال الأحكام التى تصدرها بعدم دستورية النصوص المتعلقة بتحديد المشرع لقواعد الاختصاص، على خلاف ما هو مقرر دستورياً، إذ يتعين- فى هذه الحالة- عدم الاعتداد بالحكم المنازع فى تنفيذه، ولو صار هذا الحكم باتاً، حتى ولو ثبت أنه قد تم تنفيذه بالفعل، ذلك أنه من المقرر بقضاء المحكمة الدستورية العليا، "أن تنفيذ الحكم الصادر من محكمة تابعة لجهة قضائية غير مختصة ولائيًّا بإصداره – أيًّا كان توقيت هذا التنفيذ – لا يعدو أن يكون عقبة مادية، تحول دون تنفيذ مقتضى الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، المطلوب الاستمرار فى تنفيذه، باعتبار أن تحديد الاختصاص الولائى بنظر المنازعات، والفصل فيها، يُعد من الأمور المتعلقة بالنظام العام، بحكم اتصاله بولاية جهات القضاء"([47]).

 

([1])  راجع فى هذا الاتجاه، الأستاذ الدكتور / فتحى فكرى – بحث بعنوان "إطلالة على منازعات تنفيذ الأحكام الدستورية "دراسة تحليلية"– منشور بمجلة هيئة قضايا الدولة – العدد الثالث – السنة الثانية والستون – سبتمبر 2018، والذى أكد فيه على المعنى الوارد بالمتن، من خلال تعليقه على ظاهرة إشكالات تنفيذ الأحكام، التى تقام أمام القضاء المستعجل، بهدف عرقلة تنفيذ الأحكام القضائية، وذهب إلى أن هذا الأمر يجب التصدى له تجاه أحكام المحمكمة الدستورية العليا، لا سيما بعد نص المادة (192) من الدستور الحالى، والذى أكد على اختصاص المحكمة الدستورية العليا بالمنازعات المتعلقة بتنفيذ أحكامها، لتفويت الفرصة على من يتخذ من الإشكال تكئة لتعطيل نفاذ الأحكام الدستورية بصفة خاصة.

([2]راجع في هذا المعنى الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 12 لسنة 15 قضائية "دستورية" بجلسة 3/12/1994. المجموعة الجزء السادس ص 380.

([3]) راجع في هذا المعنى الحكم الصادر من المحكمة العليا في القضية رقم 8 لسنة 1 قضائية عليا "دستورية"- جلسة 6 مايو 1972- قاعدة رقم 10- ص 93 من الجزء الأول، من القسم الأول من مجموعة أحكامها الصادرة في الدعاوى الدستورية منذ عام  1970.

([4]راجع في هذا التسبيب الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 6 لسنة 34 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 14/3/2015.

([5]راجع في هذا التسبيب الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 6 لسنة 12 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 7/5/1992.

([6]راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 5 لسنة 22 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 4/8/2001 المجموعة الجزء التاسع- ص 1313 والذى قررت فيه المحكمة التصدى لدستورية قرار رئيس هيئة قضايا الدولة رقم 2 لسنة 2000، إعمالاً لنص المادة (27) من قانون المحكمة الدستورية العليا، بعد إن إرتأت ان القرار المشار إليه، يشكل عقبة أمام تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في الدعوى رقم 193 لسنة 19 قضائية "دستورية" بتاريخ 6/5/2000 بعدم دستورية نص المادة (25) من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بالقرار بقانون رقم 75 لسنة 1963 فيما تضمنه من اسناد الفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية المتعلقة بشئون أعضاء هيئة قضايا الدولة، وطلبات التعويض المترتبة عليها للجنة التأديب والتظلمات، بحيث يجوز لكل من أضير من اعمال هذا القرار، أن يتقدم إلى هذه المحكمة طالباً إزالة هذه العقبة.

وفى الاتجاه ذاته، راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، في القضية رقم 9 لسنة 35 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 14/3/2015، بشأن طلب الحكم بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية رقم 134 لسنة 2013 بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس النواب، والحكم بالاستمرار فى تنفيذ قرار المحكمة= =الدستورية العليا الصادر بجلسة 17/2/2013، بشأن الرقابة السابقة على مشروع قانون بتعديل القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب والقانون رقم 73 لسنة 1956 بشأن تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، وبوقف إجراءات انتخابات مجلس النواب لتعارض القانون رقم 2 لسنة 2013 وقرار المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 17/2/2013".

([7]راجع ما قررته المحكمة الدستورية العليا، في شأن التعرض لقرار رئيس الجمهورية رقم 11 لسنة 2012 بسحب قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة رقم 350 لسنة 2012، المتضمن اعتبار مجلس الشعب منحلاً، نفاذاً لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في القضية رقم 20 لسنة 34 قضائية "دستورية"، في ضوء قيامه بدعوة مجلس الشعب المتغيب لعقد جلساته، وممارسة اختصاصه المنصوص عليها بالمادة (33) من الإعلان الدستورى الصادر في 30 مارس 2011 بالمخالفة للحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 20 لسنة 34 قضائية "دستورية"، إذ ارتأت المحكمة، أن ذلك القـرار يشكل عقبـة مادية أمام تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا سالف الإشارة، بحيث يجوز لكل من أُضير من إعماله أن يتقدم إلى هذه المحكمة طالبًا إزالة هذه العقبة. (راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 6 لسنة 34 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 14/3/2015، المجموعة الجزء 15/2- ص 2320).

([8]راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 1 لسنة 32 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 6/3/2011.

([9]فالأحكام الصادرة باعتبار الدعاوى كأن لم تكن، لم تطرق إلى الفصل في موضوعها، ولا يتصور أن تكون عقبة في تنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا- راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 9 لسنة 37 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 2/1/2016، وكذلك الأحكام الصادرة بوقف الدعاوى تعليقاً لم تفصل بعد في موضوع النزاع، ولا يتصور أن تكون عقبة في تنفيذ أحكام المحكمة الدستورية العليا - راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 18 لسنة 31 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 1/4/2012.

([10]) من خلال طرق الطعن العادية، أما طرق الطعن غير العادية، فهى بطبيعتها لا تطرق لموضوع النزاع، وبالتالى ينتفى في شأنها، وجه التعرض لإعمال آثار أحكام المحكمة الدستورية العليا.

([11]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 34 لسنة 37 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 4/6/2016.

([12])  يراجع فى ذلك المستشار الدكتور/ محمد ماهر أبوالعينين – الإجراءات أمام المحكمة الدستورية العليا، وأثر الحكم الصادر فيها على الدعوى الإدارية وفقاً لأحكامها، والأحكام الصادرة من محكمتى النقض والإدارية العليا – الطبعة الأولى عام 2009 – ص 420 وما بعدها. وراجع أيضاً للمؤلف ذاته "الدفوع فى نطاق القانون العام"– الكتاب الرابع– طبعة 2002.

([13])  راجع الدكتور أحمد فتحى سرور– الحماية الدستورية للحقوق والحريات – طبعة عام 1999 – ص 185. ويلاحظ أن سيادته، وعلى الرغم من تأييده اختصاص المحكمة الدستورية العليا، بنظر منازعات التنفيذ المتعلقة بأحكامها، تجاه العقبات المتعلقة بالأحكام القضائية، إلا أنه قد اقترح في هذا الصدد، التوسع في مجال الدعاوى الدستورية المباشرة المقامة من قبل الأفراد، من خلال إجازة فتح طريق إعادة النظر، في الأحكام الباتة، أمام المحكمة الدستورية العليا، إذا بنى طلب إعادة النظر، على قيام الحكم المطعون فيه، على نص غير دستورى. وللحد من هذا الطريق، يكون رفع الدعوى المباشرة، بعد دفع كفالة معينة، على أن تتولى دائرة من ثلاثة مستشارين بالمحكمة الدستورية العليا، فحص هذه الطعون قبل إحالتها إلى المحكمة، ولها أن تقضى بعدم قبولها لإنعدام الجدية، مع مصادرة الكفالة. وعلى هذا النحو، تتحقق الرقابة الدستورية على النصوص التشريعية بطريق غير مباشرة من خلال دعاوى الأفراد. ويمكن فتح هذا الطريق أيضاً للنائب العام، بوصفه ممثلا للمجتمع.

([14])  راجع الدكتور فتحى فكرى – إطلالة على منازعات تنفيذ الأحكام الدستورية – دراسة تحليلية – مجلة هيئة قضايا الدولة- العدد الثالث- السنة الثانية والستون– سبتمبر 2018- ص 64.

([15])         راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 41 لسنة 38 قضائية "منازعة تنفيذ"- بجلسة 2/11/2019.

([16])   راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 93 لسنة 12 قضائية "دستورية" جلسة 5/3/1994 الجزء السادس – ص 213.

([17])  راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا الصادر في القضية رقم 37 لسنة 9 قضائية "دستورية" بجلسة 19/5/1990.

([18])  راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 19 لسنة 36 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 8/11/2014.

([19])  راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا بجلسة 2/3/2019 في القضية رقم 45 لسنة 40 قضائية "منازعة تنفيذ".

([20])  راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 23 لسنة 37 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 6/2/2016.

([21])  راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 1 لسنة 32  قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 6/3/2011.

([22])  توسعت المحكمة الدستورية العليا بذلك، في تحديدها لمفهوم المدعى، الذى يفاد من عدم دستورية النص الضريبى، في ضوء التعديل الوارد بنص الفقرة الثالثة من المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 بموجب القرار بقانون رقم 168 لسنة 1998، بعد أن حصرت مفهوم المدعى، -من قبل- فى كل من اتصلت دعواه مستوفية أوضاعها القانونية بالمحكمة الدستورية العليا وقت صدور الحكم بعدم دستورية النص الضريبى فحسب – راجع فى عرض تطور هذا الإتجاه – تقريرنا المعد في القضية رقم 29 لسنة 31 قضائية "منازعة تنفيذ".

 

([23])   راجع على سبيل المثال الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، فى القضية رقم 34 لسنة 38 قضائي "منازعة تنفيذ" بجلسة 14/10/2017.

([24])   راجع حكمها الصادر فى القضية رقم 7 لسنة 24 قضائية "منازعة تنفيذ"- بجلسة 8/5/2005- المجموعة الجزء الحادى عشر- المجلد الثانى- ص 3102.

([25])   راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 46 لسنة 38 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 2/11/2019.

([26]راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 12 لسنة 38 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 5/5/2018.

([27])   راجع على سبيل المثال الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 34 لسنة 38 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 14/10/2017.

([28])   راجع على سبيل المثال الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 51 لسنة 40 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 4/1/2020.

([29])   راجع على سبيل المثال الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 4 لسنة 35 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 11/4/2015.

([30])   راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 2 لسنة 32 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 31/7/2017.

([31])   راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 42 لسنة 37 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 29/11/2015.

([32])    راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا، في القضية رقم 1 لسنة 19 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 3/10/1998.

([33])   راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 12 لسنة 38 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 5/5/2018.

([34])   راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 27 لسنة 40 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 1/2/2020.

([35]يراجع فى هذا الاتجاه مؤلف، ولاية المحكمة الدستورية العليا فى المسائل الدستورية، للدكتور/ محمد فؤاد عبدالباسط منشأة المعارف- طبعة 2002 – صفحة 1098.

([36]راجع فى هذا الاتجاه المستشار الدكتور/ حمدان حسن فهمى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا– حجية أحكام القضاء الدستورى وآثارها – رسالة دكتوراه. جامعة الاسكندرية عام 2007- ص 411.

([37]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 14 لسنة 31 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 1/4/2012.

([38]راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 25 لسنة 37 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 3/6/2017 – راجع في هذا الاتجاه- أيضاً- الأستاذ الدكتور/ عصام أنور سليم – موقع القضاء الدستورى في مصادر القانون – منشأة المعارف بالإسكندرية – ص 119.

([39])  راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 42 لسنة 37 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 29/11/2015، 62 لسنة 40 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 21/1/2019.

([40])  راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 46 لسنة 41 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 1/2/2020.

([41])  راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 28 لسنة 39 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 2/2/2019.

([42])  راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 46 لسنة 41 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 1/2/2020.

([43])  راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 2 لسنة 32 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 31/7/2011.

([44]) راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 6 لسنة 34 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 14/3/2015.

([45])  راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 7 لسنة 14 قضائية "منازعة تنفيذ"، بجلسة 19/6/1993.

([46])  راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 23 لسنة 37 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 6/2/2016.

([47])  راجع الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 46 لسنة 38 قضائية "منازعة تنفيذ" بجلسة 22/11/2019.