الاستفتاء الشعبي في دستور 2014

المستشار د. عبدالعزيز سالمان

السبت 6 فبراير 2021

الاستفتــــــاء الشعبــــــى فـــــى دستــــــــور 2014

أنواعـــــــــه - حالاتـــــــــه - المختــــص بإصـــــــدار قـــــــــرار الدعــــــــوة إليـــــــه

* الكاتب: المستشار الدكتور عبدالعزيز محمد سالمان - نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا

** تنشر "منشورات قانونية" هذه الورقة بإذن خاص من الكاتب وسبق نشرها بالعدد السابع والعشرين من مجلة المحكمة الدستورية العليا

مقدمــــــــــــــــــــــة

ـــــــــــــــــــــــــ

إذا كانت الديمقراطية تقضى بأن يتولى الشعب حكم نفسه، فإنه قد يتولى ذلك بنفسه بأن يقوم المواطنون بمباشرة الحكم دون وساطة من أحد، كما قد يختارون من يمثلهم من بينهم, وقد تمتزج الطريقتان معًا فيمارس النواب شئون الحكم مع مشاركة المواطنين, ومن ثم فإن الديمقراطية الحديثة تعرف صـوراً ثلاثاً فى تطبيقاتها :

الديمقراطيــة المباشـــرة : وهى الصورة التى يمارس فيها الشعب الحكم بنفسه دون وساطة, وقد أثبتت التجارب أنه يستحيل عملاً أن يقوم المواطنون بأداء كافة وظائف الدولة بأنفسهم، ولم يحدث ذلك عملاً حتى فى المدن اليونانية والرومانية القديمة رغم صغر حجمها ,وقلة سكانها .

الديمقراطية النيابية : وتقوم على فكرة أن ينتخب الشعب نوابًا عنه ليباشروا الحكم لفترة محددة من الزمن, ثم يعاد الانتخاب لمدة أخرى ليأتى بهم أو بغيرهم مع وجود الوسائل التى تمكن الشعب من الرقابة على ممثليه .

الديمقراطية شبه المباشرة : وهي تجمع بين الطريقتين، ففيها هيئة نيابية منتخبة تمارس جانبًا كبيرًا من شئون الحكم باسم الشعب، كما أن الشعب يزاول بنفسه قسطًا معينًا من أمور الحكم .

فالشعب في هذه الطريقة يمارس الحكم إلى جانب نوابه، وقد عرفت النظم الدستورية المختلفة عدة وسائل لممارسة الشعب بنفسه للحكم بجانب النواب الذين انتخبهم .

يأتي في مقدمة هذه الوسائل :

الاستفتـــــــــاء الشعبــــــي وهــــــو مــــــــا سنتناولـــــه بالتفصيــــل :

الاستفتـــــــاء الشعبــــــــي  (1)

يعرف الاستفتاء الشعبي بأنه عـرض موضوع علي الشعب لأخذ رأيه فيه بالموافقة أو بالرفض .

وهو يسمح للمواطنين أنفسهم بالاحتفاظ بحق الفصل في بعض الأمور، وتجنب استحواذ نوابهم علي كل السلطة السياسية، وفيه يتدخل المواطنون بعد إعداد موضـوع الاستفتـاء - أيا كان نوعه - بواسطة الحكومة أو البرلمان، أو هيئة منتخبة خصيصًا أو عدد معين منهم، ليقول كلمته في هذا الموضوع بالقبول أو بالرفض.

ويعتبر الاستفتاء الشعبي أهم طرق مساهمة الشعب المباشرة فى الحكم، إذ أن كافة وسائل الديمقراطية شبه المباشرة ، كالاقتراح الشعبى أو الاعتراض الشعبى، أو العزل الشعبى تنتهى غالبًا بالرجوع إليه . ففى الاقتراح الشعبى مثلاً يحسم الأمر عادة بعرض مشروع القانون بعد إعداده على الاستفتاء.

أنـــــــــــــواع الاستفتــــــــــــــــــاء : (2)

الاستفتاء الشعبي أنواع عديدة، وتصنيفات مختلفة، سواء من حيث الموضوع الذي يرد عليه الاستفتاء أو من حيث وجـوب إجرائه، أو من حيث الهدف منه، أو من حيث إلزامية النتيجة التي ينتهي إليها أمر الاستفتاء.

ونقصر بحثنا علي صنفين فقط، مـن أنـواع الاستفتاء أو تقسيمين فقط، من حيث موضوعه، ومن حيث وجوبه .

أنــــــــــــواع الاستفتــــــــــــاء مــــــــــــن حيـــــــــث موضوعـــــــــــــــــه :

يتنوع الاستفتاء من حيث موضوعه إلي أنواع ثلاثة :

1- الاستفتاء الدستوري

2- الاستفتاء التشريعي

3- الاستفتاء السياسي

الأول : الاستفتــــــــــــــــاء الدستــــــــــــوري: (3)

هذا النوع من الاستفتاء ينصب علي موضوعات دستورية أو بمعني أدق علي إقرار مشروعات تتناول دستور الدولة، وهو بدوره ينقسم إلي نوعين :

أ - الاستفتـــــــــــــــاء التأسيســــــــــــي :

وهو ذلك النوع الذى ينصب على اقرار مشروع دستور للدولة ، فيأخذ المشروع صفته القانونية ويصدر إذا وافق عليه الشعب، وإذا رفضه زال ما كان له من اعتبار كمشروع دستور قابل للموافقة أو الرفض وذلك بصرف النظر عمن يتولى وضع هذا المشروع لجنة حكومية أو جمعية تأسيسية منتخبة .

ب-الاستفتـــــــــــــاء التعديلــــــــــــــى :

وهو ذلك النوع من الاستفتاءات التى تنص بعض الدساتير على إجرائه لتعديل أحكامها، سواء قررته بصفة إجبارية أم اختيارية .

يستوى الأمر إذا كان صاحب الحق فى اقتراح التعديل هو رئيس الدولة أو البرلمان أو عدد معين من المواطنين . وهذا النوع من الاستفتاءات متبع فى كثير من دساتير العالم ومعظم الدساتير المصرية على نحو ما سنرى .

الثانـــــــــــى: الاستفتـــــــــــاء التشريعـــــــــي :

هو ذلك النوع من الاستفتاء الذى يكون موضوعه قبول أو رفض مشروع قانون يعرض على التصويت الشعبى .

وتتنوع صور الاستفتاء التشريعى من حيث ميعاد الاستفتاء، فأحيانًا يكون الاستفتاء سابقًا على إعداد مشروع القانون، ويسمى"الاستفتاء الاستئذانى "بمعنى أن الحكومة تستأذن الشعب أو تستشيره فى مبدأ قانون معين قبل وضعه .

وأحيانًا أخرى وهو الغالب يكون الاستفتاء بعد إعداد مشروع القانون ويسمى "الاستفتاء التصديقى " ويظل مشروع القانون مشروعًا حتى يوافق عليه الشعب فيصبح قانونًا . وهنا يكون الاستفتاء أكثر أهمية لأن القانون يظل مشروع ولا يكتسب قيمته القانونية إلا بعد الموافقة عليه فى الاستفتاء (4)

الثالــــــــث : الاستفتـــــــــاء السياســــــــي :

هو ذلك النوع من الاستفتاء الذى يقصد من ورائه التعرف على رأى الشعب فى أمر يتعلق بإقرار خطة معينة، أو اتباع سياسة جديدة أو أى أمر لا يتعلق بقاعدة دستورية أو تشريعية .

وقد درجت الدساتير المصرية المتعاقبة على الأخذ بهذا النوع من الاستفتاءات ومارسته السلطة التنفيذية فى مواضع كثيرة منذ دستور 1956 ومرورًا بدستور 1971 الذى كان المجال فيه خصبًا للاستفتاءات السياسية، مما لا مجال للتفصيل حوله الآن.

- أنـــــــــــــواع الاستفتـــــــــــــاء مـــــــــن حيــــث وجــــــــــــوب إجرائــــــــــــــه :

توجب الدساتير فى بعض الأحيان إجراء الاستفتاء لإتمام تصرف من التصرفات، فلا يكون التصرف أو الإجراء نافذًًا إلا إذا وافق عليه الشعب وهذا هو الاستفتاء الاجبارى ومثاله ما أورده دستور 2014 فى المادة (151/2) منه التى يجرى نصها " ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة...."

وعلى العكس من ذلك يوجد الاستفتاء الاختيارى، وهو ذلك الذى يجيز الدستور إجراءه بصدد تصرف معين بناء على طلب إحدى الهيئات الحكومية أو الشعب.

ومثاله الواضح ما أوردته المادة (157) من دستور 2014 التي تنص على أن " لرئيس الجمهورية أن يدعو الناخبين فى المسائل التى تتصل بمصالح البلاد العليا، وذلك فيما لا يخالف أحكام الدستور...." .

نأتى بعد ذلك إلى السؤال الأهم والذي قمنا بالبحث من أجل الإجابة عنه وهو :

من المختص بإصدار قرار الدعوة إليه؟

وبصفة خاصة وتحديدًا لنطاق البحث نتساءل ؟

- من الذي يصدر قرار الدعوة للاستفتاء على التعديلات الدستورية ؟

عرفت الدساتير المصرية "الاستفتاء" اعتبارًا من دستور 1956 سواء الاستفتاءات الوجوبية، أو الاستفتاءات الجوازية. واللافت للنظر أن الاستفتاءات الوجوبية على التعديلات الدستورية جاءت جميعها. فيما يتعلق بمن يصدر قرار الدعوة إلى الاستفتاء بصيغة المبنى للمجهول، فلم ترد ولا مرة واحدة بصيغة المبنى للمعلوم ، فلم تحدد الدساتير أبدًا من الذى يتولى الدعوة إلى الاستفتاء، فى حين أن الدساتير ذاتها تخـول رئيـس الجمهورية سلطة دعوة الناخبين إلى الاستفتـاء فى الاستفتاءات الجوازية، وبصـورة صريحة وواضحة ولا تحتمل أى لبس . فكيف نبرر هذه المفارقة ؟

من الأفضل أن نقسم بحثنا حول هذه المسألة إلى ثلاث مراحل : الأولى: من دستور 1956 حتى يناير 2011 ، و المرحلة الثانية : من يناير 2011 حتى 2014 المرحلة الثالثة : دستور 2014 المعدل .

المرحلة الأولى : إذا تتبعنا الدساتير المصرية من 1923، 1930 الذين لم يعرفا فكرة "الاستفتاء الشعبى" . نجد دستور 1956 - وهو أول الدساتير المصرية تبنياً للاستفتاء الجوازى وجعل الدعوة إليه منوطة برئيس الجمهورية، فقد نصت المادة (145) منه على أن " لرئيس الجمهورية، بعد أخذ رأى مجلس الأمة، أن يستفتى الشعب فى المسائل الهامة التى تتصل بمصالح البلاد العليا وينظم القانون طريق الاستفتاء ...

هذا النوع من الاستفتاء هو ما يسمى بالاستفتاء السياسى الذى يستفتى فيه رئيس الجمهورية الشعـب فى المسائـل الهامة، التى تتصل بالمصالح العليا للبلاد وهو الذى يقدر ماهية المسائل وهو أيضاً الذى يقدر بأنها تتصل بالمصالح العليا للبلاد أولاً تتصل وهذا النوع ليس مقصدنا من الدراسة .

– كما عرف هذا الدستور الاستفتاء الوجوبى على التعديلات التى يمكن أن تجرى على مادة أو أكثر من مواد الدستور، فقد نصت المادة (189) منه على أن" لكل من رئيس الجمهورية ومجلس الأمة طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يذكر فى طلب التعديل المواد المطلوب تعديلها والأسباب الداعية إلى هذا التعديل.

فإذا كان الطلب صادراً من مجلس الأمة وجب أن يكون موقعاً من ثلث أعضاء المجلس على الأقل.

وفى جميع الأحوال يناقش المجلس مبدأ التعديل ويصدر قراره فى شأنه بأغلبية أعضائه. فإذا رفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل مضى سنة على هذا الرفض.

وإذا وافق مجلس الأمة على مبدأ التعديل، يناقش، بعد ستة أشهر من تاريخ هذه الموافقة، المواد المراد تعديلها. فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس عرض على الشعب لاستفتائه فى شأنه.

فإذا ووفق على التعديل، اعتبر نافذاً من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء".

وهكذا - كما نرى - فقد صيغ النص بالنسبة لمن يملك الدعوة إلى الاستفتاء على التعديلات الدستورية بصيغة المبنى للمجهول " عْرض على الشعب لاستفتائه فى شأنه".

- لم ينل هذا النص حظًا من التطبيق لنتعرف على من الذى كان يملك توجيه الدعوة إلى الاستفتاء وعلى التعديلات الدستورية، لأنها لم تحدث.

- غير أن هذا الدستور عرف نوعًا آخر من الاستفتاء الوجوبى وهو الاستفتاء على مشروع الدستور ذاته بعد إعداد من قبل لجنة حكومية والاستفتاء على رئاسة الجمهورية ، فقد أوردت المادة (193) منه " يجرى الاستفتاء على هذا الدستور يوم السبت الثالث والعشرين من شهر يونية سنة 1956".

كما نصت المادة (194) على أن " يجرى استفتاء لرئاسة الجمهورية يوم السبت الثالث والعشرين من شهر يونية سنة 1956".

- فمن الذى كان يملك قرار الدعوة إلى هذين النوعين من الاستفتاء الشعبى ؟

تجيبنا المادة (52) من قانون مباشرة الحقوق السياسية الصادر بالقانون رقم 73 لسنة 1956 بقولها " تصدر الدعوة للاستفتاء المنصوص عليه فى المادتين (193) ، (194) من الدستور من مجلس الوزراء.

وهذا أمر منطقى، فإن رئيس الجمهورية قد حصل علي موافقة الشعب عليه فى الاستفتاء، فلم يكن ثمة رئيس جمهورية، وكان مجلس الوزراء هو الذى يملك السلطة التنفيذية.

أما دستور 1958 المؤقت: فقد خلا من أى نص يشر إلى أى نوع من أنواع الاستفتاءات، لا السياسى، ولا الاستفتاء المتعلق بالتعديلات الدستورية، فقد خلا الدستور المؤقت أيضًا من التعرض لمسألة إمكانية تعديل الدستور، فلم يتناولها بالنص . إذ أن جميع مواد هذا الدستور، لم تتجاوز 73 مادة ، فلم يتعرض لكثير من الأمور التى تعرض لها الدستور السابق.

- دستور 1964: تعرض هذا الدستور لإمكانية طلب تعديل مادة أو أكثر من مواده ، فقد أوردت المادة (165) منه " لكل من رئيس الجمهورية ومجلس الأمة طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور. ويجب أن يذكر فى طلب التعديل المواد المطلوب تعديلها، والأسباب الداعية إلى هذا التعديل.

فإذا كان الطلب صادراً من مجلس الأمة، وجب أن يكون موقعاً من ثلث أعضاء المجلس على الأقل.

وفى جميع الأحوال، يناقش المجلس مبدأ التعديل، ويصدر قراره فى شأنه بأغلبية أعضائه. فإذا رفض الطلب، لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل مضى سنة على هذا الرفض.

وإذا وافق مجلس الأمة على مبدأ التعديل، يناقش، بعد شهرين من تاريخ هذه الموافقة، المواد المراد تعديلها. فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، اعتبر نافذا من تاريخ الموافقة".

- والواضح من هذا النص أنه لم يلجأ إلى أسلوب الاستفتاء الشعبى لانفاذ التعديلات الدستورية، ولكن اكتفى هذا الدستور لانفاذ التعديـــــــلات الدستوريـــــــة بأن يوافــــــــــق عليه ثلثا أعضـــــــاء مجلــــس الأمة.

وعلى الرغم من عدم اعتماده فكرة الاستفتاء الشعبي لإنفاذ التعديلات الدستورية، فإنه قد تبنى فكرة الاستفتاء السياسي التي يعطى فيها الحق لرئيس الجمهورية أن يستفتى الشعب في المسائل الهامة التي تتصل بمصالح البلاد العليا، فقد نصت المادة (129) على أن " لرئيس الجمهورية أن يستفتى الشعب فى المسائل الهامة التى تتصل بمصالح البلاد العليا، وينظم القانون طريق الاستفتاء" .

- دستـــــــــور 1971 :

جاء دستور 1971 مصاحبًا لإعمال أحكام الاستفتاء الشعبي بأنواعه الثلاثة، الدستوري، والتشريعي، والسياسي، فقد تناولت الاستفتاء أكثر من مادة من مواد هذا الدستور، فقد نصت المادة (127) على أن " لمجلس الشعب أن يقرر بناءً على طلب عُشر أعضائه مسئولية رئيس مجلس الوزراء، ويصدر القرار بأغلبية أعضاء المجلس .

ولا يجوز أن يصدر هذا القرار إلا بعد استجواب موجه إلى الحكومة وبعد ثلاثة أيام على الأقل من تقديم الطلب .

وفي حالة تقرير المسئولية يعد المجلس تقريراً يرفعه إلى رئيس الجمهورية متضمناً عناصر الموضوع وما انتهى إليه من رأي في هذا الشأن وأسبابه .

ولرئيس الجمهورية أن يرد التقرير إلى المجلس خلال عشرة أيام، فإذا عاد المجلس إلى إقراره من جديد جاز لرئيس الجمهورية أن يعرض موضوع النزاع بين المجلس والحكومة على الاستفتاء الشعبى.

ويجب أن يجرى الاستفتاء خلال ثلاثين يوماً من تاريخ الإقرار الأخير للمجلس، وتقف جلسات المجلس في هذه الحالة.

فإذا جاءت نتيجة الاستفتاء مؤيدة للحكومة اعتبر المجلس منحلاً، وإلا قبل رئيس الجمهورية استقالة الوزارة" .

وكذلك نص المادة (136) الذي يجرى على أن " لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس الشعب إلا عند الضرورة وبعد استفتاء الشعب، ويصدر رئيس الجمهورية قراراً بوقف جلسات المجلس وإجراء الاستفتاء خلال ثلاثين يوماً، فإذا أقرت الأغلبية المطلقة لعدد من أعطوا أصواتهم بالحل، أصدر رئيس الجمهورية قراراً به. ويجب أن يشتمل القرار على دعوة الناخبين لإجراء انتخابات جديدة لمجلس الشعب في ميعاد لا يجاوز ستين يوماً من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء.

ويجتمع المجلس الجديد خلال الأيام العشرة التالية لإتمام الانتخاب" .

ثم يأتي نص المادة (152) الذي يجرى على أن "لرئيس الجمهورية أن يستفتى الشعب فى المسائل الهامة التى تتصل بمصالح البلاد العليا".

وهو نص سبق إيراده في دستور 1956، ودستور 1964 بذات الصياغة تقريبًا .

ثم يأتي نص المادة (189) الذى ينص على أن " لكل من رئيس الجمهورية ومجلس الشعب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يذكر فى طلب التعديل المواد المطلوب تعديلها والأسباب الداعية إلى هذا التعديل.

فإذا كان الطلب صادرًا من مجلس الشعب وجب أن يكون موقعًا من ثلث أعضاء المجلس على الأقل.

وفى جميع الأحوال يناقش المجلس مبدأ التعديل ويصدر قراره فى شأنه بأغلبية أعضائه، فإذا رفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل مضى سنة على هذا الرفض.

وإذا وافق مجلس الشعب على مبدأ التعديل ، يناقش بعد شهرين من تاريخ هذه الموافقة، المواد المطلوب تعديلها، فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس عرض على الشعب لاستفتائه فى شأنه.

فإذا ووفق على التعديل اعتبر نافذًا من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء".

وهذا النص الأخير هو المتعلق بالاستفتاء على التعديلات الدستورية، والذي ورد فيما يتعلق بمن يملك صدور قرار الدعوة إلى الاستفتاء - بصيغة المبنى للمجهول دون أن يحدد شخص ما .

- فمن الذى يملك الدعوة إلى الاستفتاء ، من الذى يصدر هذا القرار؟

استقر العمل فى ظل دستور 1971 على أن رئيس الجمهورية هو الذي يملك إصدار قرار دعوة الشعب للاستفتاء على التعديلات الدستورية. ولابد أن يكون لاستقرار العمل سند قانوني، فهل يكون السند هو نص المادة (152) من الدستور السالفة البيان التي تعطى الحق لرئيس الجمهورية فى أن يستفتى الشعب فى "المسائل الهامة".

وهل " الاستفتاء على التعديلات الدستورية " ، يمكن أن يدخل فى عموم مطلق " المسائل الهامة التى تتصل بمصالح البلاد العليا " ؟ وإن كان ذلك فلماذا أفرد المشرع الدستوري نصًا يتناول وجوب استفتاء الشعب بعد موافقة مجلس الشعب على التعديلات الدستورية بأغلبية الثلثين؟

واقع الأمر أنه يتعذر -كما ذهب بعض الفقه بحق - تأويل كلمة " المسائل" على أنها تتعلـق بإجـراءات تندرج فى إطـار عمليـة سن نصوص دستورية أو تشريعية. (5)

كما أن إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية أمر وجوبي. وليس رخصة لرئيس الجمهورية . أن يستعملها أو يطرحها. وقد أكدت المحكمة الدستورية العليا على هذا المعنى بقولها " وحيث إن الحكومة دفعت بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن النص التشريعى المطعون عليه صدر بعد استفتاء شعبى تم إعمالاً لنص المادة (152) من الدستور، مستهدفاً تأمين سلامة الدولة ونظامها السياسى وتحقيق مصلحتها السياسية فى حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى، ومن ثم يعتبر من الأعمال السياسية التى تنحسر عنها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح.

وحيث إن هذا الدفع مردود بأن ما نصت عليه المادة (152) من الدستور من أن "لرئيس الجمهورية أن يستفتى الشعب فى المسائل الهامة التى تتصل بمصالح البلاد العليا" لا يخرج عن أن يكون ترخيصاً لرئيس الجمهورية بعرض المسائل التى يقدر أهميتها واتصالها بالمصالح القومية الحيوية، على هيئة الناخبين لاستطلاع رأيها فيها من الناحية السياسية، ومن ثم لايجوز أن تتخذ هذا الاستفتاء - الذى رخص به الدستور وحدد طبيعته والغرض منه - ذريعة إلى إهدار أحكامه أو مخالفتها، كما أن الموافقة الشعبية على مبادئ معينة طرحت فى الاستفتاء، لا ترقى بهذه المبادئ إلى مرتبة النصوص الدستورية التى لا يجوز تعديلها إلا وفقاً للإجراءات الخاصة المنصوص عليها فى المادة (189) من الدستور وبالتالى لاتصحح هذه الموافقة ما قد يشوب النصوص التشريعية المقننة لتلك المبادئ من عيب مخالفة الدستور، وإنما تظل هذه النصوص على طبيعتها كعمل تشريعى أدنى مرتبة من الدستور، فتتقيد بأحكامه، وتخضع بالتالى لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة دستورية هذا فضلاً عن أن النص التشريعى المطعون عليه، قد صدر فى شأن يتعلق بحق فئة من المواطنين فى مباشرة الحقوق السياسية التى كفلها الدستور، والتى ينبغى على سلطة التشريع ألا تنال منها وإلا وقع عملها مخالفاً للدستور ومن ثم لا يكون ذلك النص قد تناول مسائل سياسية تنأى عن الرقابة الدستورية على نحو ما ذهبت إليه الحكومة، ويكون الدفع المبدى منها بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى - برمته - على غير أساس متعيناً رفضه". (6)

فثمة مغايرة واضحة بين نص المادة (152) من الدستور والمادة (189) منه، فالسلطة المخولة لرئيس الجمهورية فى المادة الأولى لا تخوله دعوة الشعب للاستفتاء على التعديلات الدستورية .

فالدستور لم يعهد إليه بهذا الاختصاص، وكل اختصاص لابد أن يكون بنص .

وقد ورد هذا النص فى قانون مباشرة الحقوق السياسية الصادر بالقانون رقم 73 لسنة 1956 المعدل بالقانون 23 لسنة 1972 .

فقد نصت المادة (52) منه على أن "تكون الدعوة لإجراء الاستفتاء بقرار من رئيس الجمهورية"، وقد أوردت المذكرة الإيضاحية تعليقًا على تعديل المادة (52) بقولها " وقد عدل المشروع المادة (52) التى تحدد حالات الاستفتاء التى تكون الدعوة إليها بقرار من رئيس الجمهورية لتتفق مع ما أورده الدستور الجديد الذى أصبح يجيز لرئيس الجمهورية . أن يستفتى الشعب على ما يتخذه من إجراءات إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها المادة (74) ، وأوجب عليه أن يستفتى الشعب على حل مجلس الشعب ( المادة 136) ، فضلاً عن استفتاء الشعب فى المسائل الهامة التى تتصل بمصالح البلاد العليا (مادة 152).

فالنص بعد تعديله أصبح عامًا يشمل جميع الاستفتاءات وخصوصًا الاستفتاءات التى تجرى على التعديلات الدستورية التي كان يأتي النص الدستوري عليها بصيغة المبنى للمجهول .

وقد أكدت المادة (125) من لائحة مجلس الشعب الصادرة عام 1979 بنصها على أنه " فى جميع الأحوال التى يوافق فيها مجلس الشعب على تعديل الدستور، وعلى المواد المعدلة طبقًا للأحكام الواردة فى هذا الفصل، يخطر رئيس المجلس رئيس الجمهورية بقرار المجلس مشفوعًا ببيان الأسباب التي بني عليها المجلس قراره والإجراءات التي اتبعت في شأنه، وذلك لاتخاذ الإجراءات الدستورية اللازمة لعرض التعديل على الشعب لاستفتائه في شأنه " .

ومن ثم فقد وجدنا السند التشريعي لاختصاص رئيس الجمهورية بإصدار قرار دعوة الناخبين للاستفتاء على التعديلات الدستورية .

وقد استقر العمل طيلة فترة سريان دستور 1971 ، وما صاحب هذه الفترة الطويلة من استفتاءات بأنواعها على أن رئيس الجمهورية هو المنوط به إصدار قرار دعوة الناخبين إلى الاستفتاء .

المرحلـــــــة الثانيـــــة : مـــــن ينايــــــر 2011 حتـــى 2014 :

بعد أحداث 25 يناير 2011 ، تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة البلاد وحاول أن يبعث برسائل اطمئنان إلى الجميع، وإلى أن ما حدث من تجاوزات تتعلق بتزييف إرادة الناخبين لن تحدث، فقام بتشكيل لجنة لتعديل مواد دستور 1971لتسمح بإجراء انتخابات حرة نزيهة للبرلمان ورئاسة الجمهورية . وأصدر إعلانًا دستوريًا تضمن - من بين ما تضمن - المادة (28) والتي أنشأت لجنة قضائية خالصة تقوم على الإشراف على انتخابات رئيس الجمهورية بدءًا من الإعلان عن فتح باب الترشيح وحتى إعلان نتيجة الانتخابات . فقد نصت على أن " تتولى لجنة قضائية عليا تسمى"لجنة الانتخابات الرئاسية"الإشراف على انتخابات رئيس الجمهورية بدءاً من الإعلان عن فتح باب الترشيح وحتى إعلان نتيجة الانتخاب.

وتُشكل اللجنة من رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً، وعضوية كل من رئيس محكمة استئناف القاهرة، وأقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا، وأقدم نواب رئيس محكمة النقض، وأقدم نواب رئيس مجلس الدولة.

وتكون قرارات اللجنة نهائية ونافذة بذاتها، غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أو الإلغاء، كما تفصل اللجنة فى اختصاصها، ويحدد القانون الاختصاصات الأخرى للجنة.

وتُشكل لجنة الانتخابات الرئاسية اللجان التى تتولى الإشراف على الاقتراع والفرز على النحو المبين فى المادة (39).

ويُعرض مشروع القانون المنظم للانتخابات الرئاسية على المحكمة الدستورية العليا قبل إصداره لتقرير مدى مطابقته للدستور.

وتُصدر المحكمة الدستورية العليا قرارها فى هذا الشأن خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ عرض الأمر عليها، فإذا قررت المحكمة عدم دستورية نص أو أكثر وجب إعمال مقتضى قرارها عند إصدار القانون، وفى جميع الأحوال يكون قرار المحكمة ملزماً للكافة ولجميـع سلطات الدولـة، ويُنشـر فى الجريدة الرسمية خلال ثلاثة أيام من تاريخ صدوره".

والمادة (39) التي تضمنت إنشاء لجنة أخري ذات تشكيل قضائي كامل تتولي الإشراف علي الانتخابات و الاستفتاءات، بدءًا من القيد بجداول الانتخابات وحتي إعلان النتيجة.

فقد نصت هذه المادة علي أن " يحدد القانون الشروط الواجب توافرها فى أعضاء مجلسى الشعب والشورى، ويبين أحكام الانتخاب والاستفتاء.

وتتولى لجنة عليا ذات تشكيل قضائى كامل الإشراف على الانتخاب والاستفتاء، بدءاً من القيد بجداول الانتخاب وحتى إعلان النتيجة، وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون. ويجرى الاقتراع والفرز تحت إشراف أعضاء من هيئات قضائية ترشحهم مجالسها العليا، ويصدر باختيارهم قرار من اللجنة العليا".

- والتفسير الصحيح لما ورد بنص المادة (39) من الإعلان الدستوري الصادر 30 مارس 2011، أن تتولي اللجنة العليا للانتخابات الإشراف علي الاستفتاءات بدءًا من القيد بجداول الانتخابات وحتي إعلان النتيجة.

- أن تكون دعوة الناخبين إلي الاستفتاءات منوطة باللجنة العليا للانتخابات دون غيرها.

- لكن هذا التفسير لم ينل حظًا من التطبيق بالرغم من وضوحه ، إذ إنه وعلي الرغم من تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية بالمرسوم بقانون رقم 46 لسنة 2011، فإن هذا التعديل، لم يتناول المادة (52) التي تعطي سلطة إصدار قرار دعوة الناخبين للاستفتاء لرئيس الجمهورية، فقد نصت المادة الأولي من المرسوم بقانون -المشار إليه- علي أن" تستبدل بالمواد أرقام 3 مكررًا ، ومكررًا (أ)، ومكررًا (ب)، ومكررًا (ج)، ومكررًا (د)، ومكررًا (هـ)، ومكررًا (و)، ومكررًا (ز)، ومكررًا (ح)، ومكررًا (ط)، والمادة (5)، والمادة (7)، والمادة (10)، والمادة (11)، والمادة (15)، والمادة (20)، والمادة (22)، والمادة (24)، والمادة (26)، والمادة (31)، والمادة (32)، والمادة (36)، والمادة (37) من القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية المواد الآتية:

- ومن ثم فقد ظل الاعتقاد السائد بأن الدعوة للاستفتاء علي التعديلات الدستورية من اختصاص رئيس الجمهورية، وقد أكد هذا الاعتقاد - وهو اعتقاد محل نظر من وجهة نظرنا - أن المادة 3 مكررًا (و) من قانون مباشرة الحقوق السياسية والتي تطرقت الاختصاص اللجنة العليا للانتخابات، خلت من أي إشارة تصريحية أو تلميحية يمكن أن تحمل علي أن تلك اللجنة، أضحت هي المناط بها الدعوة للاستفتاء علي تعديل الدستور. (7)

- وقد عٌدل قانون مباشرة الحقوق السياسية مرة ثانية بالمرسوم بقانون رقم 110 لسنة 2011، وكانت المادة (52) -المشار إليه- بعيدة عن التعديل، وظل الوضع علي سابق عهده، وظل الاختصاص لرئيس الجمهورية قائمًا في اختصاصه بالدعوة إلي الاستفتاء علي التعديلات الدستورية.

- وساير الواقع العملي هذا الاستخلاص بإصدار رئيس الجمهورية المؤقت قراره الرقيم 678 لسنة 2013، بالدعوة للاستفتاء علي التعديلات الدستورية التي أصابت دستور 2012، مشيرًا في ديباجة قراره إلي قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 73 لسنة 1956 وتعديلاته. (8)

المرحلــــــــة الثالثـــــة: الاستفتــــــــاء الدستــــــــوري في ظـــــــــل دستـــــــــور 2014:

يعد دستور 2014 من أكثر الدساتير التي استخدمت للاستفتاء لعرض كثير من الأمور علي الشعب، بما يمثل إشراكًا مباشرًا للشعب في الحكم، فتوجد المادة (137) من الدستور، والتي تنص علي أن"لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس النواب إلا عند الضرورة، وبقرار مُسبب، وبعد استفتاء الشعب، ولا يجوز حل المجلس لذات السبب الذى حُل من أجله المجلس السابق.

ويصدر رئيس الجمهورية قرارًا بوقف جلسات المجلس، وإجراء الاستفتاء على الحل خلال عشرين يومًا على الأكثر، فإذا وافق المشاركون فى الاستفتاء بأغلبية الأصوات الصحيحة، أصدر رئيس الجمهورية قرار الحل، ودعا إلى انتخابات جديدة خلال ثلاثين يومًا على الأكثر من تاريخ صدور القرار. ويجتمع المجلس الجديد خلال الأيام العشرة التالية لإعلان النتيجة النهائية".

فهذا النص - بصورة مبسطة - يقيد حق رئيس الجمهورية في حل البرلمان بعدة قيود أهمها استفتاء الشعب.

وهذا النوع من الاستفتاء هو استفتاء وجوبي، يتولى رئيس الجمهورية فيه الدعوة للاستفتاء، وهو أمر منطقى إذ أن سلطة حل المجلس والتحقق من استيفاء قرار الحل منوط برئيس الجمهورية، فلا يملك سواه دعوة الناخبين للاستفتاء.

ويوجد المادة (157) بمضمونها الذي يتردد منذ دستور 1956، والتي تقرر بأن" لرئيس الجمهورية أن يدعو الناخبين للاستفتاء فى المسائل التى تتصل بمصالح البلاد العليا"، وذلك فيما يخالف أحكام الدستور.

- ومن قبلها نصت المادة (151) علي أن " يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور.

ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة.

وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة".

- و من بعدها المادة (160) التي تنص علي أنه" إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لسلطاته، حل محله نائب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء عند عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية أو تعذر حلوله محله .

وعند خلو منصب رئيس الجمهورية للاستقالة، أو الوفاة، أو العجز الدائم عن العمل، يعلن مجلس النواب خلو المنصب. ويكون اعلان خلو المنصب بأغلبية ثلثي الأعضاء على الاقل، إذا كان ذلك لأي سبب آخر. ويخطر مجلس النواب الهيئة الوطنية للانتخابات، ويباشر رئيس مجلس النواب مؤقتاً سلطات رئيس الجمهورية وإذا كان مجلس النواب غير قائم، تحل الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا ورئيسها، محل المجلس ورئيسه، فيما تقدم. وفى جميع الأحوال، يجب أن يُنتخب الرئيس الجديد فى مدة لا تجاوز تسعين يوماً من تاريخ خلو المنصب، وتبدأ مدة الرئاسة فى هذه الحالة من تاريخ إعلان نتيجة الانتخاب .

ولا يجوز لمن حل محل رئيـس الجمهوريـة، أو لرئيس الجمهورية المؤقت، أن يطلب تعديل الدستور، ولا أن يحل مجلـس النـواب أو مجلس الشيوخ، ولا أن يُقيل الحكومة .

كما لا يجوز لرئيس الجمهورية المؤقت أن يترشح لهذا المنصب ."

والواضح من هذه المادة أنها لا تكل أمر توجيه الدعوة للناخبين إلي رئيس الجمهورية، وإنما قرر النص أن" ويخطر مجلس النواب الهيئة الوطنية للانتخابات...".

بما لازمه أن الهيئة الوطنية للانتخابات هي من ستتولى توجيه الدعوة للناخبين إلي الاستفتاء، وهذا أمر لا يحتاج إلي عناء كبير في استخلاصه.

من هذا النص تبدأ فكرة أن الاختصاص بدعوة الناخبين إلي الاستفتاء ليست مقصورة علي رئيس الجمهورية، وإنما يمكن أن توجه الدعوة "من الهيئة الوطنية للانتخابات" كما سنري حالًا.

ذلك أن نص المادة (161) يخول رئيس مجلس الوزراء الاختصاص بدعوة الناخبين للاستفتاء علي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة ، فقد جري هذا النص علي أنه " يجوز لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بناءً على طلب مُسَّبب ومُوقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، وموافقة ثلثى أعضائه. ولايجوز تقديم هذا الطلب للسبب ذاته خلال المدة الرئاسية إلا مرة واحدة.

وبمجرد الموافقة على اقتراح سحب الثقة، يطرح أمر سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة فى استفتاء عام، بدعوة من رئيس مجلس الوزراء، فإذا وافقت الأغلبية على قرار سحب الثقة، يُعفى رئيس الجمهورية من منصبه ويُعد منصب رئيس الجمهورية خاليًا، وتُجرى الانتخابات الرئاسية المبكرة خلال ستين يومًا من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء. واذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض، عُد مجلس النواب منحلاً، ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس جديد للنواب خلال ثلاثين يومًا من تاريخ الحل".

وهناك المادة التى تعد أصلاً فيما يتعلق بمن له الحق فى دعوة الناخبين إلى الاستفتاء ، فقد نصت المادة (208) من الدستور على أن "الهيئة الوطنية للانتخابات هيئة مستقلة، تختص دون غيرها بإدارة الاستفتاءات، والانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، بدءًا من إعداد قاعدة بيانات الناخبين وتحديثها، واقتراح تقسيم الدوائر، وتحديد ضوابط الدعاية والتمويل، والإنفاق الانتخابى، والإعلان عنه، والرقابة عليها، وتيسير إجراءات تصويت المصريين المقيمين فى الخارج، وغير ذلك من الإجراءات حتى إعلان النتيجة. وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون".

- أطلنا في سرد بعض نصوص الدستور لنقول أن واقعاً دستورياً جديداً منبت الصلة بما سبقه بدأ مع دستور 2014 فيما يتعلق بالاستفتاءات والانتخابات إذ حرصت السلطة التأسيسية كل الحرص على أن تبعد السلطة التنفيذية كل البعد عن إدارة الانتخابات والاستفتاءات فأنشأت الهيئة الوطنية للانتخابات وناطت بها "وحدها دون غيرها" مهمة إدارة الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية بدءاً من إعداد قاعدة بيانات الناخبين وتحديثها..... وغير ذلك من الإجراءات حتى إعلان النتيجة وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون.

- والمقصود بالقانون هنا قانون الهيئة الوطنية للانتخابات فلم يحدد النص الدستورى اختصاصات حصرية للهيئة الوطنية للانتخابات، وإنما ضرب أمثلة لبعض الأمور التى ستتولاها الهيئة ثم في نهاية النص قال "وغير ذلك من الاجراءات"، وأحال في بيانها إلى القانون.

فجميع مراحل عملية الاستفتاء من اختصاص الهيئة الوطنية للانتخابات، والتى من بينها بالتأكيد إصدار القرار بدعوة الناخبين الى الاستفتاء، فلم يعد- في ظل دستور 2014- الاختصاص لرئيس الجمهورية في أن يصدر قرار الدعوة للاستفتاء إلا في الحالتين الصريحتين الواردتين بنصي المادتين (137)، (157) من الدستور، وهما بطبيعة الحال لا يتعلقان بالاستفتاء على التعديلات الدستورية.

-فكل دعوة للشعب إلى الاستفتاء جأت بصيغة المبنى للمجهول أصبحت من حق الهيئة الوطنية للانتخابات.

وقد تأكد ذلك بأمرين:

الأمر الأول: إلغاء قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 73 لسنة 1956 بجميع تعديلاته وإلغاء المادة (52) التى كانت تخول رئيس الجمهورية الاختصاص بإصدار قرار دعوة الناخبين إلى الاستفتاء، وصدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 45 لسنة 2014 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية ونصت المادة (7) منه على أن "تختص اللجنة العليا، فضلاً عما هو مقرر لها فى هذا القانون الآتى:

1- ..............

2- ..............

3- ..............

4- الدعوة للانتخابات التشريعية بمراعاة الحالات المنصوص عليها فى الدستور لدعوة الناخبين.

5- .................

12- ...............

كما صدر قبل ذلك قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 22 لسنة 2014بتنظيم الانتخابات الرئاسية حيث نصت المادة (6) منه على أن "تختص لجنة الانتخابات الرئاسية دون غيرها بما يلى:

..................

10- دعوة الناخبين للاقتراع على انتخاب رئيس الجمهورية، والاشراف الكامل على إجراءات الاقتراع والفرز.

- الأمر الثانى: صدر القانون رقم 198 لسنة 2017 فى شأن الهيئة الوطنية للانتخابات الذى أورد فى المادة الثانية منه أن الهيئة الوطنية للانتخابات هيئة مستقلة لها شخصية اعتبارية، وتتمتع بالاستقلال الفنى والمالى والإدارى .......

ونصت المادة (3) على أن "تختص الهيئة دون غيرها بإدارة الاستفتاء، والانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، وتنظيم جميع العمليات المرتبطة بها، والاشراف عليها باستقلالية وحيادية تامة على النحو الذى ينظمه القانون ولا يجوز التدخل فى أعمالها أو اختصاصاتها .

وتعمل الهيئة فى هذا الإطار على ضمان حق الاقتراع لكل ناخب، والمساواة بين جميع الناخبين والمترشحين خلال الاستفتاءات والانتخابات، ولها فى سبيل ذلك على الأخص الآتى:

1-......................

2- دعوة الناخبين للاستفتاءات و الانتخابات، و تحديد مواعيدها، ووضع الجدول الزمنى لكل منها، وذلك بمراعاة الحالات المنصوص عليها فى الدستور................"

فالنصوص الدستورية المنظمة للهيئة الوطنية للانتخابات واضحة كل الوضوح، ونصوص قانون الهيئة أيضاً واضحة فى أن الهيئة الوطنية للانتخابات هى المنوط بها وحدهـا دعوة الناخبين للاستفتاء على التعديلات الدستورية، ولا يحق لغيرها الدعوة بمعنى أنه لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يوجه الدعوة إلى الناخبين للاستفتاء على التعديلات الدستورية وهو ما إلتزم به رئيس الجمهورية فأبلغ الهيئة الوطنية للانتخابات بالتعديلات لتقوم هى بالإجراءات القانونية الواجبة.

وتبعاً لذلك أصدرت الهيئة الوطنية للانتخابات قرارها رقم 26 لسنة 2019 بدعوة الناخبين للاستفتاء على تعديل بعض مواد الدستور مستندة فى ديباجة قرارها:

بعد الاطلاع على الدستور

وعلى قانون مباشرة الحقوق السياسية الصادر بالقانون رقم 45 لسنة 2014.

وعلى القانون رقم 198 لسنة 2017 فى شأن الهيئة الوطنية للانتخابات؛ وعلى كتاب السيد رئيس الجمهورية المؤرخ 17/4/2019 والمرفق به قرار مجلس النواب بتعديل بعض أحكام الدستور والصادر بجلسته المعقودة بتاريخ 16/4/2019 ، وعلى موافقة مجلس إدارة الهيئة الوطنية للانتخابات بتاريخ 17/4/2019 قرر:

المادة الأولى

الناخبون المقيدة أسماؤهم فى قاعدة بيانات الناخبين بالتطبيق لأحكام قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية المشار إليه مدعوون للإدلاء برأيهم في الاستفتاء على تعديل بعض مواد الدستور بمقار لجان الانتخابات الفرعية، وذلك وفقاً لما جاء بقرار مجلس النواب.

- من هذا السرد يتضح بجلاء اتجاه إرادة المشرع التأسيسى إلى أن الهيئة الوطنية للانتخابات هى المنوط بها إصدار قرار دعوة الناخبين. وأن القواعد السارية الآن لا تسمح لغير الهيئة الوطنية للانتخابات بإصدار قرار الدعوة للاستفتاء على تعديل الدستور. (9)

ولو أراد المشرع التأسيسى غير ذلك لما أعوزه النص صراحة على أن رئيس الجمهورية هو المنوط به الدعوة للاستفتاء على التعديلات الدستورية . (10)

خلاصة ما تقدم: فى ظل العمل بأحكام دستور 2014، وما تم من إجراءات بشان التعديلات التي أُدخلت على هذا الدستور عام 2019 لم يعد لرئيس الجمهورية اختصاص في إصدار قرار دعوة الناخبين للاستفتاء على التعديلات الدستورية، وذلك لصراحة نص المادة (208) التي تنيط بالهيئة كل ما يتعلق بعملية الاستفتاء من بدايتها إلى نهايتها ومروراً – بطبيعة الحال – بدعوة الناخبين للاستفتاء.

والقول بغير ذلك يتنافى مع استقلال الهيئة والاختصاص المنوط بها "وحدها دون غيرها".

- لا يوجد سند دستورى ولا تشريعى للقول باختصاص رئيس الجمهورية بعد إلغاء قانون مباشرة الحقوق السياسية وخصوصًا نص المادة (52) منه التي كان تعطى السلطة لرئيس الجمهورية في دعوة الناخبين للاستفتاء.

- لكن يبقى لرئيس الجمهورية الاختصاص بدعوة الناخبين إلى الاستفتاء في حالتين جات بهما المادتين (137)، (157) من الدستور على نحو ما سلف وفيهما النص الصريح على اختصاص رئيس الجمهورية.

- المادة (226) من الدستـور التي تنـص على أن "لرئيـس الجمهورية، أو لخٌمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة، أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يُذكر فى الطلب المواد المطلوب تعديلها، وأسباب التعديل.

وفى جميع الأحوال، يناقش مجلس النواب طلب التعديل خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسلمه، ويصدر المجلس قراره بقبول طلب التعديل كلياً، أو جزئياً بأغلبية أعضائه.

وإذا رُفض الطلب لا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل حلول دور الانعقاد التالى.

وإذا وافق المجلس على طلب التعديل، يناقش نصوص المواد المطلوب تعديلها بعد ستين يوماً من تاريخ الموافقة، فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، عرض على الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدور هذه الموافقة، ويكون التعديل نافذاً من تاريخ إعلان النتيجة، وموافقة أغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين فى الاستفتاء.

وفى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة إنتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات".

- لم تشر من قريب أو بعيد إلى اختصاص رئيس الجمهورية بعرض التعديلات الدستورية على مجلس الشعب في الاستفتاء

- وفى النهاية، فإن القواعد الدستورية والقانونية التي كانت تحكم موضوع من المختص بإصدار قرار دعوة الناخبين إلى الاستفتاء على التعديلات الدستورية قبل دستور 2014 ، كانت مغايرة تماماً لتلك القواعد التي أضحت تحكم هذا الموضوع بعد نفاذ هذا الدستور، فثمة قواعد جديدة طبقت على التعديلات الدستورية التي حدثت فى 2019، فلابد من الانتباه إلى هذه المغايرة وعدم الخلط بين ما كان يحدث قبل دستور 2014 رغم استقرار العمل به لفترة طويلة، وبين ما أصبح عليه الحال الآن ووجود الهيئة الوطنية للانتخابات والنص فى قانونها، ومن قبلها قانونى مباشرة الحقوق السياسية والانتخابات الرئاسية . على استقلالها التام فى مباشرة كل ما يتعلق بالاستفتاءات المختصة بها والسالف ذكرها، فضلاً عن أن النص التشريعى الذى كان يخول رئيس الجمهورية، هذا الحق قد ألغى وحل محله نصوصاً أخرى تمنح الحق للجنة الانتخابات الرئاسية ثم للهيئة الوطنية للانتخابات.

 

هوامش

(1)  يراجع حول الاستفتاء الشعبى بوجه عام:

د.ماجد راغب الحلو : الاستفتاء الشعبى والشريعة الإسلامية ، سنة 1983 ، دار المطبوعات الجامعية بالإسكندرية.

د. محمد كامل ليلة : النظم السياسية – الدولة والحكومة ، سنة 1979 ، درا الفكر العربى ، ص 510 وما بعدها، د. عبدالحميد متولى، النظم السياسية، ص 177وما بعدها ، د. ثروت بدوى : القانون الدستورى وتطور النظم الدستورية فى مصر . دار النهضة العربية ص 309 وما بعدها . د. فتحى فكرى : الاختصاص بإصدار قرار الدعوة إلى الاستفتاء على تعديل الدستور- ورقة مقدمة فى نقاش علمى

(2)  د. ماجد الحلو : المرجع السابق ، ص 178 وما بعدها.

(3)  د. ثروت بدوى: المرجع السابق ، ص 309 وما بعدها . د. محمد كامل ليلة : المرجع السابق ، ص512 ، د. ماجد الحلو: المرجع السابق ، ص 181 وما بعدها .

(4)  د. ماجد الحلو : المرجع السابق ، ص208.

(5) يراجع د. فتحي فكرى . الورقة السابقة .

(6) حكم المحكمة الدستورية العيا الصادر فى الدعوى رقم 56 لسنة 6 قضائية "دستورية" – جلسة 21/6/1986.

(7) يراجع في هذا الاستخلاص الدكتور/فتحي فكري، الورقة السابقة.

(8) السابق

(9) السابق

(10) السابق