تعديل قانون التنظيم والإدارة.. مآخذ ومقترحات للارتقاء بالوظيفة العامة دون مخالفة المشروعية

محمد عبدالرحيم

السبت 3 أبريل 2021

* الكاتب: محمد عبدالرحيم - محام بالاستئناف

 

بتاريخ  أول مارس الماضي وافق مجلس النواب على تعديل قانون الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة رقم 118 لسنة 1964، وفي 25 مارس أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي نص هذا التعديل بالقانون رقم 6 لسنة 2021. وينص التعديل على أن: "الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة هيئة مستقلة، تتبع رئيس مجلس الوزراء" وذلك بدلًا من النص السابق والذي يقضي بأن يلحق الجهاز بالمجلس التنفيذي. وجاء بالمادة 5 من التعديل أن يكون للجهاز "اقتراح القوانين واللوائح الخاصة بالعاملين وإبداء الرأي في مشروعات القوانين المتعلقة بشئونهم، والموافقة على اللوائح المتعلقة بشئونهم قبل إقرارها، دراسة الاحتياجات من العاملين في مختلف المهن والتخصصات بالاشتراك مع الجهات المختصة ووضع نظم اختيارهم وتوزيعهم وإعادة توزيعهم، لشغل الوظائف على أساس الصلاحية وتكافؤ الفرص، ويجوز بقرار من رئيس مجلس الوزراء نقل العاملين فيما بين الجهات المختلفة بعد دراسة الجهاز وأخذ رأي وزارة المالية، مع استطلاع رأي الجهتين المنقول منها وإليها، وبمراعاة احتفاظ العامل المنقول بذات مستحقاته المالية التي كان يتقاضاها قبل النقل، أو تقاضي أجر الوظيفة المنقول إليها أيهما أكبر------" 

‎الواضح من استقراء التعديل أن الغاية والهدف منه هو إغلاق باب التعيينات الجديدة بالوظائف العامة، وإعادة توزيع الموجودين داخل الخدمة، لا سيما فى ظل رفع سن الإحالة للمعاش لمن هم من مواليد 1980 فدونه، فما كان من مجلس الوزراء إلا التقدم بمشروع التعديل الذي منح الجهاز سلطة واسعة في نقل الموظفين بالدولة، وبمختلف تخصصاتهم، بين الجهات الإدارية المختلفة، مما يجعله تعديلا يشكل خطورة على هيكل الوظيفة العامة، إلى جانب شاغليها، بسبب مآخذ كثيرة نذكر في السطور التالية بعضا منها:

أولا :-  إن التعديل قد يتصادم بقانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، والذي يعطي سلطة النقل إلى السلطة المختصة، وهى -وفقا  للمادة الأولى من قانون الخدمة المدنية- جهة عمل الموظف وليس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، ولا ينال من ذلك ما تضمنه التعديل من استطلاع رأى الجهة المنقول منها وإليها الموظف، فمجرد استطلاع  الرأي  ليس  بضمانه  كافية، كما أنه  قد  يتم إساءة استعمال  السلطة في غير محلها فيتم  استغلال ذلك فى التخلص من بعض الموظفين غير المرغوب  فيهم من قياداتهم الإدارية، خصوصا وأن التعديل قد أنكر بالكلية رغبة الموظف ذاته، على الرغم من أنه وفقا لقانون الخدمه المدنية في المادة 33 منه، لا يجوز الندب الخارجي  إلا بموافقة الموظف.

فإذا كان الندب بطبيعته مؤقتا ويؤخذ فيه رأي الموظف، فبالأحرى كيف يكون النقل دون موافقته؟! كما لا يمكن التسليم بأن النقل سيتم عن طريق الجهاز، لأن الجهاز ليس لديه بيانات تفصيلية بموظفي الدولة كافة.

ثانيا :- التعديل يتضمن أن الموظف يُنقل بدرجته ومميزاته المالية، وهذا إن كان ظاهره حميدا، إلا أنه على أرض الواقع سيُحدث مشاكل كثيرة في أقدميات الدرجات الوظيفية بالجهة المنقول إليها الموظف، ارتباطا بدرجات أقرانه الجدد القدامى بها، إلى جانب أنه حال نقل موظف كان يتقاضي مرتبا كبيرا إلى جهة  أخرى يتقاضى فيها أقرانه مبالغ أقل، فسيقع تفاوت ضخم بين مرتبات العاملين داخل الجهة الواحدة  بل ربما في ذات التخصص والإدارة الواحدة، مما سيثر الضغائن الوظيفية بين الموظفين ويؤثر بالتبعية على كفاءة العمل.

ثالثا :-  التعديل لا يوضح  ضوابط النقل وشروطه، وما هي ضوابط الاحتياجات من الموظفين، سواء على مستوى المؤهلات أو السن أو التخصص، وجاء بعبارة  فضفاضة  أن "النقل سيكون  بناء  الصلاحية والكفاءة وتكافؤ الفرص" وهذا  مردود عليه بآلاف الأحكام  الصادرة من القضاء الادارى بإلغاء قرارات النقل لعدم مشروعيتها واستخدامها كجزاء مقنّع  ضد الموظف، إلى جانب أن انعدام وضوح الضوابط  سيسهل إعادة  ظاهرة النقل المكاني والجغرافي التعسفى.

وتجدر الإشارة إلى أن عدم ارتضاء الموظفين قرارات النقل حال صدورها مشوبة بالتعسف وعدم المشروعية، سيترتب عليه زيادة عدد الدعاوى المقامة أمام محاكم مجلس الدولة بمختلف درجاتها، وقد يطول أمد نظرها لسنوات، فقرارات النقل ليست من القرارات التى يجوز وقف تنفيذها في الشق العاجل، وبالتالي ستُنظر موضوعيا، وهو ما يرجح إطالة أمد التقاضي، خاصة وأن مجرد الطعن على القرار لا يعطى الموظف المنقول الحق في الامتناع عن تنفيذ قرار النقل، وبالتالي  سيصعب  الأمر على الموظف وأسرته وسيعقد علاقته برؤسائه، وهو ما سينعكس على  أدائه بالسلب، وسيفرّغ التعديل من أهدافه فى رفع كفاءة الجهاز الإداري بالدولة.

رابعا :- التعديل مُحمًّل بالعمومية بما يعطي الحق للجهاز في النقل دون مراعاة للضوابط  المنظمة لأصحاب الكادرات الخاصة، والوظائف التي تنظم شؤنها قوانين خاصة مثل محامي الإدارات القانونية، والمعلمين، وأعضاء المنظمات النقابية.

خامسا :- لا يمكن التسليم بان اللائحة التنفيذية للقانون التي ستصدر -بقرار إداري- ستعالج هذا القصور القانوني، فسيتكرر ما حدث مؤخرا فى أزمة إضافة بعض المواد لقانون الشهر العقاري مؤخرا، فسيتم إضافة أمور إما مخالفة للقانون أو تزيد عليه، أو تخرج التعديل عن فلسفته الأصلية.

هذه المآخذ جميعا لا تنفي الغرض المحمود من التعديل، وهو إعادة توزيع الاحتياجات بين الجهات الإدارية، والجميع يعلم أن بعض الجهات بها موظفون  لا يعملون ويتقاضون مرتبات، وفي المقابل جهات أخرى تحتاج إلى قوة بشرية أكبر، لكن معالجة هذا الواقع المرير يجب أن يكون بواسطة وسيلة لتوحيد الأجور، أو ضمان تقليص التفاوت، وتخصيص مميزات عينية ومادية لتشجيع العاملين على زيادة الانتاج والعمل، ويمكن أن يكون ذلك  بالندب  بين الجهات، ولكن بإعطاء أفضلية موضوعية ومجردة لبعض العاملين الذين يتفوقون في الإنجاز وكفاءة العمل في جهات بها ضغط كمي وكيفي، ووضع  ضوابط  للنقل من حيث طبيعة العمل ومكانه واحتياجاته، وأخذ رغبة الموظف محل اعتبار.

وهذا ليس بجديد، فهناك تجربة لمصلحة الجمارك التي فتحت منذ فترة الباب  للندب إليها لسد احتياجاتها، وجذبت كثيرا من العاملين بالدولة، وحاليا العديد منهم فى طريقهم للنقل الكلى وبموافقتهم.

الارتقاء بالوظيفة  العامة مطلب مجتمعي وسياسي، ولكن لابد من  إتمام ذلك دون ضرر أو ضرار، فخلق مناخ وظيفي على قدر من الكفاءة هو الضمان الحقيقي لرفع كفاءة الوظيفة العامة.

والوظيفة العامة شرف ومسؤولية على عاتق شاغلها، إلا إنها تتطلب تحديث الهيكلة بشكل مجرد قائم على العدل والمساواة واختيار الأكفأ، والحفاظ على الحقوق والمراكز القانونية، وليس اللجوء الى القص واللصق بين الجهات الحكومية من أجل غلق باب التعيين  المبتدأ، فيرتب على ذلك إضعاف العنصر البشري الذي هو أساس الخدمة المدنية، وبث اليأس في نفوس الطامحين للالتحاق بالوظيفة العامة.